كمال ذبيان – الديار
قد تكون من المرات النادرة، التي يزور رئيس حكومة في لبنان، دولة اجنبية، اذ كان المتعارف عليه، ان يكون توجهه نحو دولة عربية، وفق نفوذها في لبنان، من مصر الى سوريا والسعودية، لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقد لا يكون راغباً في ذلك، افتتح زياراته من فرنسا التي بدأها امس، ويتوجه اليوم بلقاء مع الرئيس مانويل ماكرون.
ويبرر الرئيس ميقاتي، اسباب الزيارة الى باريس، لان فرنسا صاحبة مبادرة طرحها رئيسها، اثر الانفجار في مرفأ بيروت في 4 آب من العام الماضي، ورسم خارطة طريق للبنانيين، ليخرجوا من نفق ازمتهم، تبدأ بتشكيل حكومة من غير السياسيين والحزبيين ومن اصحاب اختصاص، يقع على عاتقها مهمة انقاذ الوضع المالي والاقتصادي، ووقف الانهيار الشامل، الذي اصاب كل القطاعات واطلق ماكرون على وصف «حكومة مهمة»، حيث لم يوفق رئيسان مكلفان مصطفى اديب وسعد الحريري بتشكيلها، فنجح ميقاتي، بتدخل فرنسي وصفقة نفط مع العراق، سهّلت حصولها ايران، فكانت الولادة الحكومية، بعد ان كان الاتجاه هو اعتذار ميقاتي، كما تشير مصادر سياسية متابعة، والتي ترى بان الزيارة الى باريس تصبح طبيعية وضرورية لرئيس الحكومة، لشكر رئيسها على جهوده الانقاذية تجاه لبنان.
ومع نجاح تشكيل الحكومة بغطاء فرنسي، دون الالتزام الكامل بالمبادرة الفرنسية، التي تغاضت عن شكل الحكومة الذي لا يتطابق بالكامل مع مواصفاتها، فان البند الثاني هو الاصلاحات التي ستأتي بالدعم المالي والاستثمارات، وهو ما سيكون مادة البحث في اللقاء الذي يجمع الرئيسين ماكرون وميقاتي، الذي سيعرض ما ورد في البيان الوزاري من عناوين اصلاحية، ستقوم الحكومة بتنفيذها منها ما هو آن، وبعضها قريبة المدى، واخرى الى فترة بعيدة، وان الاولويات هي للمحروقات والكهرباء والتربية والصحة والبطاقة التمويلية، اضافة الى الحوار مع صندوق النقد الدولي، وشكلت لجنة له، وستباشر فوراً عملها، تقول المصادر، التي تكشف بان الرئيس ميقاتي سيطرح مع الرئيس ماكرون، آلية البدء بتطبيق بنود مؤتمر «سيدر»، الذي عقد قبل اكثر من ثلاث سنوات، وكيف يمكن ضخ اموال لمشاريع ملحة، مطروحة بورقة «سيدر»، مما يؤثر ايجاباً على الاستقرار النقدي.
ففرنسا هي خشبة الخلاص للبنان، بعد ان نأت السعودية بنفسها عن الشأن اللبناني، لاسباب يطرحها المسؤولون في المملكة، ومنها بان لبنان وقع تحت النفوذ الايراني، في السيطرة على القرار فيه، من رئاسة الجمهورية، الى الحكومة والاكثرية النيابية، وان اللوم توجهه الرياض لحلفائها، قبل غيرهم، واولهم الرئيس سعد الحريري، الذي اقفلت ابواب المملكة بوجهه، ويبدو بانها لن تفتح قريباً بوجه ميقاتي، وفق المصادر التي تضيء على الاعلام السعودي، او على صحافيين سعوديين، كيف تعاطوا مع تشكيل الحكومة برئاسة ميقاتي، وكانت المواقف سلبية منها، او غير مريحة، اضافة الى ان اي اتصال تهنئة لم يحصل من اي مسؤول سعودي برئيس الحكومة، وهذه رسالة معبرة وان المملكة تنتظر المواقف من ميقاتي، حول لجم التدخل الايراني، واعتبار بيروت احدى العواصم الاربع، التي تدور في المحور الايراني.
كما ان عاصمة ثانية، تنتظر موقف الرئيس ميقاتي منها، وهي دمشق التي فتحت الطريق اليها من بيروت واستقبلت وفداً وزارياً، وشملت عقد لقاءات لبنانية – سورية – اردنية – مصرية لاستجرار الكهرباء، كما لعبور الغاز المصري الى لبنان، اذ ما زال موقف رئيس الحكومة ضبابياً، وعليه ان يخرج من موقع أو سياسة «النأي بالنفس» وهذا مصطلح كان مقبولاً مع بداية الازمة السورية وليس عند اقتراب نهايتها، وتبدل مواقف عربية كانت تناصبها العداء فيها، والعودة اليها، واستعادتها الى جامعة الدول العربية.
وباريس التي كان بعض اللبنانيين يصفونها بـ «مربط خيلنا»، فهذا كان في زمن الانتداب الفرنسي، اما في هذه المرحلة، فان شريان لبنان الاقتصادي هو سوريا، وصولاً الى دول عربية أخرى، التي يؤكد الرئيس ميقاتي بأن لبنان لن يكون الا في الحضن العربي، وهذا ما ستكشفه الاتصالات المقبلة، فالى أي عاصمة عربية سيذهب رئيس الحكومة، فهل الى دمشق أم الرياض؟