حتى الامس القريب، كانت الاحتجاجات التي يقوم بها مواطنون لبنانيون نابعة من ألم، خاصة ان الحياة في لبنان بظل الغلاء الفاحش والتدهور الكبير في قيمة الليرة اللبنانية امام الدولار، جعل اي مواطن لبناني يعيش حالة غضب عارمة، سواء من فشل الطبقة السياسية التي لم تبادر حتى اللحظة الى حل للازمة المستفحلة منذ 2019 الى اليوم، كما الى تفاقم الاوضاع المعيشية والاجتماعية سوءا بشكل مرعب.
ان حرق المصارف في بدارو، وقطع الطرقات ليسا ناتجين عن وجع الشعب اللبناني، بل مرتبطان بمجموعة متصلة بالخارج، تنفذ اجندته لتسريع الانهيار في لبنان. فالتحقيقات مع المشاغبين الذين حرقوا فرعا لـ “فرنسا بنك” وفرعا لـ “بنك عودة” ومصارف اخرى، اظهرت ان لا احد من بينهم من المودعين، وهذا خير دليل على انها ليس احتجاجات شعبية، بل هي اعمال شغب مقصودة، تهدف الى صب الزيت على النار، ودفع المؤسسات التي تتهاوى اصلا الى السقوط الكبير.
والحال، ان هذه الجهة مؤلفة من مجموعة شباب لبنانيين كانوا ينتمون لحزب لبناني، ومن ثم انشقوا عنه لان قيادة هذا الحزب رفضت المساهمة في دفع البلاد نحو الهاوية، وعليه اضحت هذه الجهة تعمل منفردة في لبنان، ولكن بتنسيق مع جهة خارجية تريد عن سابق تصور وتصميم تسريع الانهيار لاهداف معينة تعنيها.
ما نقوله لا يعني ان الامور من قبل هؤلاء المشاغبين كانت على احسن حال، فالجميع على يقين ان اللبناني لم يعد قادرا على مواصلة الحياة في لبنان، بعد ان تفاقمت الازمة المالية والاقتصادية، واضحى التدهور يهدد الامن الاجتماعي والغذائي.
ولكن هذا الامر، لا يبقى دون تداعيات سلبية، ابرزها ارتفاع نسبة الهجرة لدى الشعب اللبناني بشكل مخيف، حتى بات يتراءى للجميع ان البلاد تفرغ من مواطنيها، في حين يملؤها النازحون السوريون واللاجئون الفلسطينيون. وهنا نسأل هل وصول الدولار الى سقف 80 الف ليرة هو امر عفوي؟ هل يترك اللبناني وطنه بارادته ام ان الاحوال الصعبة في البلاد هجّرته؟ وهل اسباب الانهيار كلها اقتصادية ام ان هناك جزء منها سياسي؟ وهل بقاء النازحين السوريين في لبنان، ورفض الامم المتحدة عودتهم الى اراضيهم ضمن شروط، هو امر عفوي؟ ام انه جزء من مخططات الخارج “الخبيثة” بحق لبنان وشعبه؟
لذلك، لم يعد خافيا على احد، ان هناك جهة خارجية تريد ان تتسارع وتيرة الانهيار، هادفة الى اعدام مؤسسات لبنان بزيادة نسبة الاهتراء فيها. وهنا كلما تسارع الانهيار، كلما زادت هجرة اللبناني الى الخارج، نتيجة تقلص قدرته الشرائية وعجزه عن تأمين حاجاته الاساسية مع الغلاء الفاحش، وفقدان الليرة اللبنانية قيمتها بنسبة 90% امام الدولار. وامام هذه الوقائع، نتساءل: هل يبقى لبنان للبنانيين؟
وعليه، لا يمكن ان نفصل ما يحصل مؤخرا من اعمال شغب وفوضى مقصودة تنشرها ايادٍ خارجية لتسريع الانهيار، عما يتعرض له اللبناني من ضغوطات، اخطرها الهجرة هروبا من واقع مزرٍ وجهنمي يشهده لبنان. فمتى يتحرك القيمون على البلد، لمواجهة قدر الامكان ما يفعله عملاء لبنانيون ينفذون اجندة خارجية، تحوّل لبنان الى ركام ودمار.