في الوقت الذي يبحث فيه لبنان في نيويورك مع الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي آموس هوكشتاين، والحديث عن تقديم هذا الأخير مسودة الإتفاقية نهاية الأسبوع الجاري، يتمّ التفتيش بالموازاة عن الشركة الثالثة التي ستخلف شركة «نوفاتيك» الروسية. فهذه الأخيرة قرّرت الإنسحاب من كونسورتيوم الشركات الدولية النفطية الملزّمة أعمال الإستكشاف والتنقيب في البلوكين 4 و 9 وفق اتفاقيتين موقّعتين في العام 2018 بين الحكومة اللبنانية وبين هذا التحالف الذي ترأسه «توتال» الفرنسية ويضمّ كلّاً من «إيني» الإيطالية، و»نوفاتيك» الروسية. ويسري مفعول قرار الإنسحاب الذي اتخذته «نوفاتيك» في آب المنصرم، في 22 تشرين الأول المقبل. فلماذا انسحبت «نوفاتيك» من العمل في عمليات التنقيب واستخراج الغاز والنفط اللبناني؟ وهل يُشكِّل انسحابها عائقاً أمام استئناف العمل في البلوكين 4 و 9، أم عاملاً إيجابياً، في حال صدقت التوقّعات والأنباء التفاؤلية، وتمّت اتفاقية الترسيم البحري قبل 31 من الشهر نفسه؟!
تقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّ شركة «نوفاتيك» تحدّثت عن أسباب إقتصادية ومالية وعن مخاطر سياسية دفعتها الى اتخاذ مثل هذا القرار. غير أنّ لقرارها هذا أبعاداً أخرى تتعلّق بسحب يدها من لبنان وحضورها فيه، بعد أن وجدت بأنّ ثمّة هيمنة فرنسية وأميركية عليه، خصوصاً في ملف الترسيم والتنقيب في بلوكاته البحرية. في الوقت الذي تفرض فيه الدول الأوروبية عقوبات على روسيا بسبب شنّها الحرب على أوكرانيا، ما أعطاها ذريعة مناسبة أتت بمثابة «الشحمة على الفطيرة لاتخاذ قرارها الأخير».. وقد وجد البعض بأنّ انسحاب «نوفاتيك» يخلق ظروفاً إيجابية لاستكمال أعمال الإستكشاف والتنقيب من قبل «توتال» و»إيني» اللتين أكّدتا التزامهما بعقد التنقيب عن الغاز في البلوكين 4 و 9، سيما وأنّه يزيل إحدى العقبات السياسية التي تحول دون التعاون بين الشركات الثلاث في ظلّ التوتر الأوروبي- الروسي، على خلفية الحرب الأوكرانية.
غير أنّ انسحاب «نوفاتيك» من الكونسورتيوم يفرض إيجاد شركة ثالثة لتحلّ مكانها، على ما أضافت المصادر، إذ يجب أن يكون هناك ما لا يقلّ عن ثلاث شركات في «كونسورتيوم» لصفقة الاستكشاف الموقّعة، سيما وأنّ انسحاب شركة من الممكن أن يؤدّي إلى مشاكل قانونية للعضوين المتبقيين. فمساهمة «نوفاتيك» الروسية تبلغ 20 في المئة من التحالف، بينما تبلغ مساهمة «توتال»، و»إيني» 40 في المئة. وحتى الساعة، لا يزال مستقبل «كونسورتيوم» التنقيب عن الغاز غير واضح لجهة إسم الشركة الثالثة التي ستنضمّ اليه. ولهذا يجري البحث عن هذه الشركة، كما الحديث عن إمكانية أن تنضمّ الى التحالف شركة «شيفرون» الأميركية التي تعلّق مستقبلها في مجال الغاز الطبيعي على منطقة الشرق الأوسط، وتعمل على توسعة انتاج الغاز المُسال في قطر.
وأوضحت المصادر عينها بأنّه رغم خسارة لبنان لشركة «نوفاتيك» التي تُعدّ واحدة من أكبر الشركات المنتجة للغاز الطبيعي في روسيا، من خلال انسحابها من التحالف، إِلَّا أنّها وفق العقد الموقّع مع لبنان تُعتبر «صاحب حقّ غير مشغّل في البلوكين 4 و 9 في المياه البحرية اللبنانية»، مثلها مثل شركة «إيني» الإيطالية، فيما تعتبر «توتال» هي الشركة المشغّلة في البلوكين المذكورين. وبناء عليه ستُنفّذ «توتال» الأنشطة البترولية في البلوك 9 وفقاً لخطة الإستكشاف الموافق اليها من قبل وزير الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول.
في الوقت نفسه، لفتت أوساط ديبلوماسية عليمة، الى أنّ ملف الترسيم يشهد تقدّماً كبيراً في نيويورك، على ما أعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بعد لقائه هوكشتاين. كما التقى هذا الأخير نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب مرّات عدّة خلال وجودهما هناك. وأكّدت الاوساط أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جدّدت تمنّيها أن يتمّ إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي في أسرع وقت ممكن، ما يعني أنّها تريد تمرير هذه الصفقة على أيام رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الحالي يائير لابيد، كونها لا تضمن عودته الى رأس الحكومة بعد الإنتخابات النيابية المرتقبة في الاول من تشرين الثاني المقبل، وتخشى من أن يعود بنيامين نتنياهو ويطيح بالإتفاقية برمتها.
وذكرت الاوساط بأنّ هوكشتاين، وفق المعلومات، وعد بالإنكباب على صياغة مسودة الاتفاقية قيل نهاية الاسبوع الجاري، وفق ما توصّل اليه من خلاصات جرّاء المفاوضات غير المباشرة التي أجراها خلال الفترة الماضية، ليعرضها بعد ذلك على كلّ من الجانبين. وسيرى لبنان اذا ما كان نصّ هذه الاتفاقية يناسبه ويلتقي مع موقفه من ملف الترسيم البحري ومن كيفية حل النزاع وحصوله على مطالبه المحقة في المياه الإقليمية، أم يحتاج الى إدخال بعض التعديلات عليه منعاً لأي التباس أو تأويل. فهل سيحصل لبنان على حقوقه البحرية لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي غير المسبوق الذي يعيشه؟ أم ستكون الاتفاقية بمثابة تأكيد على تنازله النهائي عن حدوده البحرية الفعلية والتي هي جنوب الخط 29؟!