وحدها الظروف الحساسة والدقيقة هي التي دفعت بالمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين، بالعودة إلى لبنان لتحريك مفاوضات ترسيم الحدود. والظروف الدقيقة هي موجات التصعيد التي تعصف بالمنطقة على وقع أزمة طاقة عالمية.
نفط وغاز بلا حرب
العالم كلّه بحاجة إلى النفط، قالها هوكشتاين صراحة متوجهًا إلى اللبنانيين بضرورة الاستفادة من الظرف لبدء العمل. في المقابل، إسرائيل أكثر الأطراف المراهنة على سرعة الإنجاز في عمليات الاستخراج لتصدير الغاز إلى أوروبا. هذا الواقع يفرض حاجة ماسة إلى الاستقرار. وهو يرتبط بتسويات تكرس التهدئة. وعندما رفع أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، تهديداته، كان هدفه تحسين شروط لبنان، واستدراج الأميركيين إلى العودة، مع رفعه معادلة الاستخراج من كاريش يوازيه التنقيب في لبنان، ولا سيما في حقل قانا.
سعى حزب الله إلى فرض معادلة استراتيجية في هذا المجال، علمًا أن الجميع لا يحتاج إلى تصعيد ولا نية لديه في الاندفاع إليه. فالتصعيد العسكري أو الأمني، يؤدي إلى تعطيل العمل الإسرائيلي على استخراج النفط والغاز. وبالتالي ليس في مصلحة اسرائيل أي تصعيد. وبالتزامن مع زيارة هوكشتاين يأتي خبر الإفراج الإيراني عن ناقلة النفط اليونانية، مؤشرًا إلى أن مفاوضات ما أفضت إلى هذا الخيار. وهناك أيضًا تصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني وقوله إن الظروف الحالية ليست ظروف اندلاع حرب.
هذه الوقائع، تجيب على سؤال أساسي كان قد طرح فور الإعلان عن زيارة هوكشتاين إلى بيروت: ماذا جاء يفعل المبعوث الأميركي، لو لم يكن هناك ما يستدعي الزيارة، وأن ثمة أجواء تفيد بإمكان الوصول إلى حلّ؟ وهو يركز على الحصول على جواب نهائي، بسبب كثرة انشغالاته بملفات متعددة.
تدارك التوتر والابتزاز
جملة مفتاحية أساسية قالها هوكشتاين في لقاءاته كلها: “الجانب الأساسي من زيارتي هو في سبيل تخفيف التوتر اللهجة التصعيدية. ما نريده هو منع الوصول إلى حرب. ونحن لا نريد للبنان أن ينهار. وجاهزون للمساعدة”. وهو أكد أيضًا أنهم أخذوا تهديدات نصرالله على محمل الجد. خصوصًا أنه هدد مباشرة بضرب باخرة الاستخراج اليونانية في حقل كاريش. وهذا أمر لا تريده الولايات المتحدة الأميركية وليس في مصلحة لبنان ولا المنطقة.
رفض الحرب ومنع التوتر والتصعيد، يقتضيان إيجاد حلّ ملائم للطرفين. والحل لا يقضي بترسيم الحدود وبدء لبنان بعمليات التنقيب فقط، إنما بعدم السماح بتوفر أي ظروف تتيح لحزب الله أن يبقى قادرًا على ابتزاز الإسرائيليين أو الأوروبيين في عمليات استخراج الغاز وتصديره. لأنه من دون العمل على إيجاد حلّ واضح وتوافق عليه غالبية الاطراف اللبنانية، فإن عناصر الابتزاز تبقى قائمة.
تصعيد وتوتر متوازنان
أما الأجواء التصعيدية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، فكانت في سياق ردعي ليس أكثر. ومنها استهداف مطار دمشق وتعطيله. وهذا هدف التصريحات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون مهددين اللبنانيين، توفيرًا لمقومات التوزان مع تهديدات نصرالله وتخويف اللبنانيين من الإقدام على أي خطوة تتعلق بالتصعيد العسكري.
لكن المشكلة الأساسية تكمن على الصعيد الاستراتيجي، وهي شائكة أو صعبة ومعقدة، بعد الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية: كيف السبيل إلى ترسيم الحدود البرية؟ حينذاك نعود إلى النزاع على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهنا ثمة مسائل أخرى قابلة لتعطيل أي اتفاق، لأن أوانه لم يحن بعد.
التطورات هذه تحصل على وقع انسداد آفاق التفاوض الإيراني- الأميركي حول الاتفاق النووي. وليس من تقدم على خط المفاوضات السعودية- الإيرانية. والرئيس الأميركي جو بايدن يتحضر لزيارة السعودية، على وقع استمرار العمليات الأمنية الإسرائيلية داخل إيران.
هذه وقائع تفرض نفسها على الوضع كله في الشرق الأوسط، ولبنان ضمنًا. فإما أن يكون الاتفاق الحدودي في لبنان مدخلًا لتسويات أخرى، وإما يستمر الانسداد والتصعيد في مراوحة قاتلة من دون الوصول إلى حرب.