الانهيار الاقتصادي والمالي ليس صنيعة الخارج بل الداخل اللبناني، حيث امعن المسؤولون اللبنانيون على حقبات عدة متتالية بسرقة المال العام والهدر والفساد، الى ان ضربوا مؤسسات الدولة في صميمها، واضحى النزيف يتضاعف شيئا فشيئاً.
انما منع لبنان من التعافي اقتصاديا وماليا هو مخطط الخارج، وتحديدا الولايات المتحدة التي تعاملت بوقاحة قل مثيلها مع الدولة اللبنانية وشعبها، بحرمانه ابسط المقومات التي ارادت الدول العربية توفيرها لنا. صحيح ان واشنطن تساعد الجيش اللبناني ولكن بالقطارة، وهي تعلم ان المؤسسة العسكرية تأثرت بشكل كبير بالازمة الاقتصادية، حتى ان اللحمة شطبت من وجبات العسكريين نظرا لارتفاع سعرها.
وعليه، تستمر واشنطن بحصارها على لبنان، وهدفها من كل ذلك ضرب حزب الله وارهاقه وانهاكه، ولذلك تمعن جيدا في افقار اللبنانيين ، وفي منع اي مساعدة عربية او ايرانية للشعب اللبناني لاضعافه وكسره كي ينتفض على حزب الله، الا ان البيت الابيض لا يعلم ان المواطن اللبناني جبار ويواجه الصعوبات بتحد وصبر ولا ينهزم بسهولة.
نعم لبنان يتخبط بازمة اقتصادية حادة دون اي مساعدة او اي تفاوض مع صندوق النقد الدولي او الدول العربية، ليس فشلا منه بل بضغط اميركي على مؤسسات الدولة، فضلا عن تقاطع مصالح مع دول عربية، ابرزها السعودية، باضعاف لبنان قدر الامكان الى ان تتمكن واشنطن والرياض بفرض شروطهما عليه.
فهل تعافي لبنان هو قرار داخلي محض؟ ام هو دولي يضع شروطا تعجيزية للسماح له بالتعافي اذا لم يلب لبنان مطالب الخارج؟
نعم الامور واضحة. لبنان لم ينهض من القعر بعد ولم يداو جراحه، لانه ممنوع عليه ان يتعافى في ظل هذه الاجواء الاقليمية والدولية المحيطة به. بيد ان اميركا مارست كل ضغوطها لتسريع اتمام اتفاق ترسيم الحدود البحرية، واستفاد لبنان من الوضع الاميركي حيال هذا الموضوع، ولكن في الوقت ذاته تضع عقبات كثيرة لانهاء الشغور الرئاسي واعادة انتاج السلطة واحياء مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي.
وفي هذا السياق، من المؤسف ان يراهن بعض الافرقاء اللبنانيين على الولايات المتحدة، واعتبارها انها تخدم لبنان من خلال محاصرة اخصام لبنانيين آخرين، في حين ان الحصار يطال الجميع، والحقد الدفين موجه لكل الشعب اللبناني، وحرمان لبنان من التعافي يطال كل مؤسسات الدولة وتلقائيا المواطن اللبناني. فمتى يصحوا بعض الافرقاء اللبنانيين الذين يعتبرون ان واشنطن حليفتهم؟ وهل من حليف لافرقاء معينين يدمر لهم بلدهم؟ ام انه رهان خاطىء يقوم به بعض الافرقاء اللبنانيين؟
منذ بدء الانهيار، تبين للبنان وللشعب اللبناني من هو الحليف ومن هو العدو، وهذا امر ليس صعبا ابدا، لان الامثلة كثيرة على من عرقل وصول الغاز المصري للبنان، ومن اقفل مصرف لبنان ويحبط اي محاولة لتدفق الدولار مجددا الى السوق المالية اللبنانية. فهل تراجع القطاع المصرفي في لبنان مصادفة؟ ام انه مخطط خبيث اراد نسف اي مقوم قوي ترتكز عليه الدولة؟ هل انفجار بيروت مصادفة؟ ام انه حدث غامض هجر الملايين من اللبنانيين الى الخارج؟ وهل بقاء النازحين السوريين في لبنان صدفة بريئة، رغم كل الندءات لعودتهم الطوعية الى بلدهم؟
لا شيء حصل ويحصل في لبنان بشكل عفوي او مصادفة او بريء، بل مدبر له من خلال هذا الخارج الذي يسعى لاضعاف الشعب اللبناني بكل قدرته، لانه لا ينفذ الاجندة الاميركية بحذافيرها على غرار بلدان اخرى.
ان الايام او الشهور المقبلة ستظهر لجميع اللبنانيين الظلم الاميركي. ولكن هل سيستفيق بعض حلفائهم في لبنان ام انهم اتخذوا خيار الاستسلام لواشنطن كاملاً؟