لم تنزلق بلدة الكحّالة الى الاستثمار بالدم مع انزلاق شاحنة الأسلحة عند «الكوع» يوم الأربعاء الفائت، رغم استمرار تداعيات الحادثة حتى بعد دفن فقيدها فادي بجّاني، وسعي المصطادين في الماء العكر الى نبش الماضي وإيقاظ الفتنة النائمة. فقد لملمت الكحّالة الثكلى جراحها الجمعة، كما فعلت الضاحية مع تشييع الضحية أحمد قصّاص قبلها، لتدخل البلاد في روايات متناقضة عن تفاصيل الحادثة، واتهامات متبادلة حول الجهة التي بادرت أولاً الى إطلاق النار على الطرف الآخر.
وصحيح أنّ الكحّالة تخطّت الانزلاق نحو الفتنة، إلّا أنّ أسباب الفتنة ومحاولات استحضار الأحقاد لا تزال قائمة وماثلة في نفوس اللبنانيين، ليس فقط في الكحّالة إنّما في كلّ منطقة وبلدة لبنانية. فالقيادات السياسية والدينية والعسكرية قد عملت على احتواء الفتنة سريعاً، لتفادي توسّع دائرة المواجهات والاشتباكات، غير أنّها لم تعمل بعد على معالجة الأسباب، وقائمتها تطول. فالسلاح المتفلّت المنتشر في أيدي الجميع، لا يبشّر بالخير والوضع الداخلي الهشّ لا يدل الى أنّ الوحدة الوطنية بأفضل حالاتها. كما أنّ عدم التوصّل الى التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه إطالة الأزمات في البلاد، وعدم إيجاد حلول جذرية لأي منها.
ورغم مرور أيّام على حادثة الكحالة، لا تزال التحقيقات الأمنية مستمرّة ولم تظهر نتائجها حتى الساعة. ولا بدّ من انتظار هذه النتائج قبل أن يُبنى على الشيء مقتضاه، على ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لجريدة «الديار» منوّهة بقدرة المؤسسة العسكرية وبعض القوى السياسية الذين عملوا على وأد الفتنة، على احتواء حادثة الكحّالة رغم خطورتها الكبيرة، مشدّدة على ضرورة معالجة أزمة السلاح المتفلّت، والسعي الى التخفيف من التشنّجات والحقن الطائفي والمذهبي الذي ساد خلال الإشكال وبعده.
وأضافت أنّ الحوادث الأمنية المماثلة، لن تتوقّف حالياً، مع الأسف، بل سنشهد إشكالات متنقّلة في مناطق أخرى لأنّ هذا الأمر مخطط له. كما قد تمرّ البلاد بعمليات اغتيال معيّنة، بهدف نشر الفوضى وزعزعة الأمن في البلاد خلال الوقت الضائع قبل انتخاب رئيس الجمهورية. ولهذا طلبت من المواطنين عدم اللجوء الى استخدام السلاح عند كلّ إشكال، وعدم الشحن الطائفي والمذهبي وبدء الدعوات المطالبة بالتقسيم أو قرع طبول الفيديرالية، لأنّها ليست الحلّ الحالي للبلاد.
وفي انتظار صدور نتائج التحقيقات في حادثة الكحالة، نوّه البعض بوعي عائلة بجّاني الذي كان محطّ تقدير كبير من المرجعيات الأمنية والسياسية والدينية التي التزمت التهدئة ولم تسعَ الى التحريض أو الاستثمار بدمّ فقيدها. واعتبر أنّه على «حزب الله» ملاقاة عائلة بجّاني في منتصف الطريق التي قطعت المجال أمام المستثمرين في هذه الحادثة.
وعلى خط التهدئة، اتصل العلامة السيد علي فضل الله، براعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد الساتر، «مقدّراً عظته بالأمس (الجمعة)، والتي تناولت ما حدث في بلدة الكحالة، وحيث عملت على بلسمة الجراح التي أريد لها أن تستمر في النزيف»، منوهاً «بمواقفه الإيمانية والوطنية المسؤولة، التي تساهم في وأد الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وتمنع المصطادين في الماء العكر من ضرب الاستقرار الداخلي والتعايش الوطني». واعتبر أنّ «الحوار هو الطريق الوحيد لعلاج كلّ الهواجس والمخاوف التي قد تطرح من هذا الفريق أو ذاك».
موقف نصرالله
وتتجه الأنظار الى ما سيقوله الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عند الثامنة والنصف من مساء يوم غد الاثنين في كلمته لمناسبة الذكرى السنوية السابعة عشرة للانتصار في حرب تموز، ويتطرّق خلالها إلى آخر التطورات في لبنان والمنطقة، ولا سيما تفاصيل حادثة الكحّالة الأخيرة.
وكان استقبل السيد نصرالله وفدا من لجنة السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشورى الاسلامي في إيران، برئاسة مسؤول اللجنة الدكتور جلال زاده وعدد من النواب الأعضاء في هذه اللجنة، في حضور سفير ايران مجتبى أماني، حيث تم استعراض آخر المستجدات والأوضاع في لبنان وفلسطين والمنطقة.
وتوالت المواقف وردود الفعل على حادثة الكحّالة، فدان تكتّل «بعلبك- الهرمل» النيابي خلال اجتماعه الدوري في بعلبك «الاعتداء الميليشياوي الذي استهدف شاحنة عند أحد منعطفات بلدة الكحالة وتعرض أفرادها لهجوم مسلح من قبل ميليشيات لطالما دأبت على تهديد الاستقرار والسلم الاهلي، ويعتبره «جريمة موصوفة» كان الهدف منها العبث بأمن البلاد».
ورأى التكتل أن «اللحظة التي يمر بها لبنان تستوجب من القوى السياسية جميعاً موقفاً وطنيا مسؤولاً، فلبنان لا يزال في عين الاستهداف الأميركي والصهيوني والتكفيري، ولذلك ينبغي على الجميع المبادرة لمعالجة الأزمات المتعددة التي نعانيها جميعا، والذهاب إلى تفاهمات وطنية تكون بمستوى التحديات وتطلعات المواطنين اللبنانيين».
منظومة «ثار الله»
وفي خطوة مفاجئة، كشف الإعلام الحربي لـ «حزب الله» عن منظومة حملت إسم «ثار الله» للصواريخ الموجّهة ضمن مشاهد فيديو عُرضت للمرّة الأولى عن تدريبات السلاح «ضدّ الدروع» للحزب. وبحسب الإعلام الحربي للحزب، فإنّ هذه المنظومة هي عبارة عن منصّة مزدوجة للصواريخ الموجهة، وتتضمّن مواصفات المنظومة سلاح ضد الدروع مخصصة لرماية صواريخ «كورنيت». كما تتألف من منصتي إطلاق، وتتمتع بدقة إصابة الأهداف بتوقيت متزامن وتدميرها، وتستخدم في الرماية النهارية والليلية، وتتميز بسهولة التحرّك والمناورة».
وذكر أنّ هذه المنظومة دخلت العمل في تشكيلات «حزب الله» في العام 2015، وأظهرت نتائج ممتازة خلال استخدامها في أكثر من ميدان».
عظة الراعي
في إطار آخر، تحدّثت مصادر كنسية مطّلعة عن أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لن يكون متساهلاً في عظته عشية عيد انتقال السيدة العذراء، إذ سيحتفل بالذبيحة الإلهية عند الحادية عشرة من صباح اليوم الأحد في كنيسة أمّ المراحم حيث سيتمّ تكريس مذبحي الكنيسة وكابيلا القديس شربل في القعقور. وسيتطرّق الراعي في عظته الى الحوادث الأمنية الأخيرة، ولا سيما الى حادثة الكحالة التي وقع خلالها ضحيتان بسبب وجود السلاح المتفلّت في أيدي الجميع. وسيشدّد على خطورة الوضع الأمني مطالباً المسؤولين بتحمّل المسؤولية ووضع حدّ لمثل هذه الأحداث الأليمة التي تهزّ البلاد. كما سيُكرّر مناشدته لهم بضرورة الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، لإرساء الأمن والاستقرار وعدم تكرار مثل هذه الأحداث التي تُغذّي الفتنة، وتُهدّد السلم الأهلي في البلاد.
عودة الحديث عن الفيديرالية
وفي الوقت نفسه، أشارت مصادر سياسية عليمة لـ «الديار» الى أنّ حادثة الكحالة الأخيرة قد أعادت فكرة «الفيديرالية» الى الأذهان في جميع المناطق، لا سيما في المناطق المسيحية. فقد بدأت الأصوات تدعو الى تطبيقها في لبنان، لكي يعيش كلّ «كانتون» بسلام وأمان بعيداً عن أي هواجس أو أي تهديدات لحياته وسلامة أبنائه. وقالت انّ مسألتي السياسة الخارجية والاستراتيجية الدفاعية لا يمكن حلّهما لدى تطبيق الفيديرالية، إنّما عن طريق «الحياد الإيجابي» الذي سبق وأن طرحه البطريرك الراعي منذ سنوات وطالب المسؤولين السياسيين باعتماده في لبنان حفاظاً على مصلحة الجميع.