مرّت الجلسة السابعة لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية كسابقاتها من دون التوصّل الى خروج الدخان الأبيض من مجلس النوّاب، بسبب فقدان النصاب القانوني في الدورة الثانية، وعدم التوافق الداخلي والخارجي على إسم الرئيس المقبل، وجرى تحديد الجلسة الثامنة يوم الخميس المقبل في الأول من كانون الأول المقبل. وهذا الأمر من شأنه إطالة دوّامة الفراغ ومدّة الشغور الرئاسي، وتأخير إيجاد الحلول لمشاكل البلاد للخروج من الإنهيار الذي يعيشه في مختلف القطاعات، الى ما بعد عيدي الميلاد ورأس السنة، وحتى الى أشهر أخرى مقبلة.
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ فصول مسرحية انتخاب الرئيس تتكرّر بسبب رفض البعض للحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. فعدم التوصّل الى انتخاب رئيس على مدى الجلسات النيابية المتتالية، يُظهر ضرورة الإسراع في إقامة هذا الحوار الذي من شأنه أن يؤدّي الى الوفاق والى توافق الغالبية النيابية على اسم رئيس الجمهورية المقبل. ومع الأسف ليس من حدّ أدنى للحوار اليوم بين الأحزاب والقوى السياسية، رغم عِلم الجميع أنّ المواقف نفسها لا تُنتج رئيساً. وفيما عدا ذلك، فإنّ الأمور ستتجه الى تمديد أزمة الشغور الرئاسي الى أجلٍ غير مسمّى، والى وضع داخلي كارثي أكبر من الذي يعيشه الشعب اللبناني اليوم على الصعيد الإقتصادي والمالي والمعيشي.
ورأت أن تشتّت أصوات النواب لا يجب أن يستمر في الجلسات المقبلة، على ما أضافت، الأمر الذي يفرض ضرورة الإسراع في الحوار داخل الفريق السياسي الواحد أولاً للتوافق على اسم الرئيس العتيد، قبل الحوار مع الفريق الآخر، وذلك تفادياً لذهاب بعض الكتل النيابية الى مقاطعة الجلسات النيابية المقبلة، على ما ألمح رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميّل، في كلامه بعد انتهاء جلسة الانتخاب، بسبب تكرار المشهد المسرحي نفسه. ولهذا يجري الحديث عن عملية انتظار تسوية خارجية، رغم أنّ هذا الانتظار يأتي على حساب البلد والشعب والدستور.
وبرأي المصادر نفسها أنّ إنتاج الرئيس الذي يتطلّب غالبية ساحقة من أصوات النوّاب، لا يمكن أن يحصل في ظلّ عدم توافق الحزبين المسيحيين الأكبران، أي “التيّار الوطني الحرّ” و”القوّات اللبنانية”. ورغم الخلاف القائم بينهما لا سيما بعد فسخ عقد “اتفاق معراب”، فلا شيء يمنع من أن يتحاورا ويتوافقا مجدّداً على اسم رئيس الجمهورية المقبل، وإنهاء الحرب المسيحية- المسيحية غير المعلنة. فقد سبق وأن توافقا في العام 2016، وإلّا لما انتُخب العماد ميشال عون رئيساً آنذاك.
فالتوافق المسيحي- المسيحي من شأنه تسهيل عملية الانتخاب، على ما شدّدت، سيما أنّ الكتل النيابية والأحزاب المسلمة ستُوافق عندئذ على اسم المرشّح الذي ينتج من هذا التوافق. أمّا أن تتفق “القوّات” مع “تيّار المردة” لتأييد انتخاب النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، أو أي مرشّح آخر، فقد لا يكفي لإيصال مرشّحهما الى قصر بعبدا من دون التوافق مع كتل نيابية أخرى. غير أن لا شيء يمنع اليوم من أن تُفاجىء “القوّات” الجميع بخياراتها فتوافق على مجيء فرنجية أو أي مرشّح آخر وتدعم وصوله الى الرئاسة، سيما إذا ما وجدت أنّ الطريق غير سالك أمام رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوّض الذي قارب التصويت له 47 صوتاً، تأييداً واقتراعاً في جلسة الخميس الفائت، للوصول الى قصر بعبدا.
غير أنّه حتى الآن، على ما يظهر على الساحة السياسية، لا أحد يفكّر في تغيير الوضع القائم، على ما عقبّت المصادر عينها، من خلال انتخاب الرئيس التوافقي الذي لا بدّ من أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والشرائح اللبنانية ومن ثمّ تشكيل حكومة جديدة. ولا أحد يعلم ما الذي ينتظره النوّاب الممثلون للشعب، ولماذا لا يتمّ التوافق الداخلي لكي يحصل التوافق الخارجي عليه؟ فمن المعلوم أنّ أي توافق يقوم على قاعدة: لا رابح ولا خاسر، بدلاً من قاعدة: خاسر ورابح، يجعل جميع الكتل النيابية تلتف حوله. ولكن يبدو جليّاً أنّه ليس من رغبة لدى أي حزب أو فريق سياسي في الوقت الحاضر، لتقديم التنازلات، أو القيام بخطوات الى الوراء للتوصّل الى انتخاب رئيس، لا سيما على المدى المنظور.
وأشارت الى أنّ جميع دول الخارج تشجّع لبنان على انتخاب رئيس الجمهورية، غير أنّ أيا منها لم تتقدّم بعد بمبادرة جديّة لهذا الانتخاب، رغم حراك سفراء هذه الدول على الساحة السياسية الداخلية لا سيما الأميركية والفرنسية والسعودي وسواهم. ولهذا يجري الحديث عن انتظار الوحي، أو الضوء الأخضر من الخارج، فيما المطلوب أولاً التوافق الداخلي بين كلّ فريق سياسي، ومن ثمّ بينه وبين الفريق الآخر، فضلاً عن الإجماع المسيحي الذي لا يمكن لأحد معارضته، وذلك لتبني اسم مرشّح وفاقي يُجمع عليه الداخل والخارج، ولا يشكّل استفزازاً لأي طرف داخلي أو فريق سياسي.
أمّا تشتّت أصوات النوّاب التغييريين والمستقلّين، فتعزوه المصادر ذاتها الى ضعف خبرة بعض النوّاب الجدد في ما يتعلّق بانتخاب الرئيس، فضلاً عن عدم وجود مرشّح وفاقي لكي يُجمع هؤلاء النوّاب عليه. أمّا في حال التوصّل الى اسم توافقي، فإنّ هؤلاء النوّاب قد يغيّرون رأيهم وينتخبون هذا الأخير، لا سيما إذا ما كان شخصية فاعلة وموثوق بها من الداخل والخارج.
وشدّدت على أنّ دول الخارج لن تقوم بإسقاط إسم رئيس الجمهورية المقبل، بل هي تنتظر حصول التوافق الداخلي أولاً على هذا الاسم، لتعمل فيما بعد على دعمه والتشجيع على انتخابه لما فيه مصلحة البلد والشعب أولاً. فوجود رئيس جديد وحكومة جديدة من شأنه أيضاً تسيير أمورها ومصالحها في لبنان والمنطقة.