عُقدت في قصر الكويرينالي الرئاسي في روما قبل ظهر امس، قمة لبنانية ـ ايطالية جمعت الرئيسين الايطالي سيرجيو ماتاريلا واللبناني ميشال عون في مستهل زيارة العمل التي قام بها رئيس الجمهورية الى العاصمة الايطالية، بعد ختام زيارته الى الكرسي الرسولي أمس الاول.
وأشاد عون بمواقف إيطاليا الداعمة للبنان مثنياً على الدور الذي تلعبه ضمن مجموعة الدعم من اجل لبنان، وتنظيمها مؤتمري روما 1 وروما 2 في العامين 2014 و2018 لدعم الجيش اللبناني، اضافة الى مشاركتها في قوات «اليونيفيل» في الجنوب، حيث تحتل المرتبة الاولى بعديد عناصرها. وشكر لنظيره الايطالي هبات بلاده للجيش وتدريبها وحدات من الحرس الجمهوري عبر دورات متخصصة، واعتبر ان هذه المساعدات اساسية لحماية لبنان الذي ما زال في مرمى الاستهداف الارهابي.
وأكد الرئيس الايطالي استمرار التعاون بين لبنان وايطاليا من خلال القوات الدولية «وقد قدمت ايطاليا فرقاطة للقوة البحرية الدولية»، وأبدت استعدادها لتقديم المزيد من الدعم للمساهمة في تحقيق الاستقرار في جنوب لبنان، وجزء من الاستقرار في المنطقة.
وتطرق الحديث الى مساعدات ايطاليا للبنان على المستويين الانساني والثقافي، والتي بلغت في العام 2020 نحو 33.5 مليون يورو، منها ما خصص لحماية الارث الثقافي اللبناني وتوسعة المتحف الوطني في بيروت وترميم آثار بعلبك وصور. وشجع ماتاريلا كل جهد يقوم به لبنان من اجل اقرار خطة التعافي الاقتصادي، مبدياً ارتياحه لإقرار خطة اصلاح الكهرباء، ما يسمح بالتعاون اكثر مع صندوق النقد الدولي. وقال: «نقدر ما تبذلونه شخصياً من اجل خروج لبنان من أزمته الراهنة، ونحن سنواصل التزامنا مساعدة لبنان في كل ما يحتاجه».
واشار عون الى ان من أخطر تحديات الازمات الراهنة الواجب مواجهتها الهجرة الكثيفة الى الخارج للنخب اللبنانية، ما يهدد لبنان على المدى البعيد ليس فقط بإفراغ البلد من طاقات حيوية لا بل بصلب هويته وبمستقبل التعددية في المنطقة، طالباً دعم ايطاليا بشكل خاص واوروبا بشكل عام للبنانيين للبقاء فيه.
واعتبر الرئيس الايطالي ان علاقات التعاون مع لبنان ضرورية لأن ايطاليا تعتبر ان الاستقرار في لبنان هو مفتاح للاستقرار في الشرق الأوسط، والعمل يجب ان يكون فعالاً لإزالة بؤر التوتر في المنطقة التي تؤثر سلباً على الاوضاع في لبنان، وايطاليا راغبة في التعاون لإزالتها.
واكد عون ان لبنان لم يعد قادراً على تحمل اعباء واحمال النزوح السوري ولا طاقة له على الاستمرار في تحملها، خصوصاً وانها فاقمت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اساساً لبنان. وطالب ايطاليا بالعمل ضمن المجموعة الاوروبية كما على الصعيد الدولي لتسهيل عودتهم ومساعدتهم في اماكن العودة في الداخل السوري. واكد ان هناك مسؤولية على المجتمع الدولي لكي يقوم بواجباته ويعمل على حل هذه الازمة التي طالت، وعلى الدول المانحة ان تعطي الحوافز داخل سوريا لتحفيز النازحين على العودة. وشدد الرئيس الايطالي على ضرورة العمل لعودة السوريين بالتوازي مع المساعدة على الوصول الى حل سياسي يشارك فيه المجتمع الدولي، وبذلك سوف يتمكن السوريون من اعادة اعمار بلادهم، ويخففون العبء عن لبنان، مع ضمان كيفية تعامل النظام السوري مع العائدين وايجاد الظروف الملائمة لهم. واكد ان الصعوبات الكبيرة في لبنان تحتاج الى تعاون الجميع لتذليلها، وان بلاده ستواصل تقديم الدعم لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ودعم الشركات الايطالية الراغبة في مساعدة لبنان، فضلا عن تشجيع الاتحاد الاوروبي لتكون مشاركته فعالة في تقديم العون للبنانيين.
وأمل عون في ان تتوقف لغة الحرب لحل النزاعات بين الدول وفرض امر واقع، واشار الى ان ما يحصل في اوكرانيا على سبيل المثال حرب أليمة ومعاناة لشعب بريء لافتاً الى الازمة المستجدة لجهة مخزون القمح بعد تصدع الاهراءات نتيجة انفجار مرفأ بيروت، وكذلك الازمة المصرفية التي يعاني منها اللبنانيون على مختلف مستوياتهم، متمنياً كذلك بلوغ مسار فيينا خواتيمه عبر التوصل الى اتفاق بين ايران والغرب حول الموضوع النووي، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى انعكاسات ايجابية على المنطقة، معتبراً ان السلام متى تحقق له أثر ايجابي على دول المنطقة.
ودعا ماتاريلا الى تكثيف الجهود لوقف الحرب الروسية على اوكرانيا، مقدراً موقف لبنان منها واحترامه للمواثيق الدولية. واكد اهمية دور لبنان ورسالته في محيطه والعالم، واعتبر ان حل أي مشكلة مستعصية حالياً يساهم في حل مشاكل اخرى، ولبنان يبقى مثالاً للبلد القادر على النمو من جديد وهو نموذج يحتذى خصوصاً في ظل التوازنات التي تحفظ حقوق الجميع، وله دور اساسي في انماء المنطقة كلها. والتقى الرئيسان على اعتبار الانتخابات النيابية المقبلة فرصة لمزيد من الاستقرار. ودعا عون نظيره الايطالي لزيارة لبنان.
مع «لاريبوبليكا»وفي حديث اجرته معه ونشر صباح امس، سألت صحيفة «لاريبوبليكا» الايطالية الرئيس عون: «من ابرز اهتمامات المجتمع الدولي بالنسبة الى لبنان، ما يتعلق بوجود دولة ضمن الدولة، «حزب الله»، مع كامل قدرته العسكرية. ما هي الامور التي تقوم بها الحكومة لمعالجة هذه المسألة؟ فأجاب:» ان موقف «حزب الله» في الداخل اللبناني مختلف بصورة كاملة عن نظرته الى الخارج، وليس له تأثير، بأي طريقة، على الواقع الامني للبنانيين في الداخل. اما بالنسبة الى الحدود الجنوبية فالتعاون قائم بين الجيش وقوات «اليونيفيل». ان «حزب الله»، حزب يملك السلاح وهو قام بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي، وهو مكون من لبنانيين من الجنوب عانوا من الاحتلال الاسرائيلي، ومقاومة الاحتلال ليست ارهاباً».
وعن فحوى لقائه مع قداسة البابا، وهل قداسته مستعد للتدخل من اجل مساعدة لبنان؟ اجاب عون: ان قداسته يتابع عن كثب الازمات التي تعصف ببلدنا، واعرف انه سيعمل على القيام بمبادرة من اجل مساعدتنا. لكنه لا يعود الينا ان نحدد نحن شروط هذه المساعدة ولا مقوماتها.
وهل اكد له البابا انه سيزور لبنان؟ اجاب عون: «اننا ننتظر مجيء البابا منذ زمن طويل. ولقد قمت بتجديد دعوته لزيارة لبنان.
اضاف عون:» لبنان بحاجة للمساعدة، الا اننا في الوقت الراهن نعاني من تفاقم أزمة الأمن الغذائي، ما لا يمكننا من اجتياز مرحلة فقر مدقع يطاول شرائح عديدة من المجتمع اللبناني بصورة خاصة. ومعلوم ان ايطاليا تقوم بتقديم مساعدات اقتصادية، بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي، وهي بامكانها ايضا ان تلعب دوراً سياسياً. ان مساعدة تقوم على دعم الاطراف اللبنانيين للتلاقي والتوافق على حل يكون امراً مفيداً.
وهل يخشى من ان يؤدي النزاع في اوكرانيا الى تغيير التوازن في المنطقة، وتبدل دور موسكو اضافة الى الخشية من امكان تأمين المواد الاولية الضرورية التي يحتاج اليها لبنان قال عون:»عندما ستنتهي الحرب الدائرة هناك، سيكون هنالك منتصر، والمنتصر سيحدد شروطه. في هذه المرحلة، ما زالت هناك مفاوضات قائمة، لكن المرحلة التي نجتازها بالغة التعقيد. والجميع يدرك ان مخاطر هذا النزاع شاملة، فكافة الدول ستتأثر بطريقة او بأخرى، لا سيما اذا ما نظرنا الى الامر من منظار الانتاج الزراعي دون غيره. ان الحل الوحيد هو السلام، والأمثل يكون من خلال مفاوضات تقودها الامم المتحدة.
وعن التحقيقات في انفجار 4 آب، قال عون: «هناك نزاع في لبنان بين من يريد العدالة، ومن لا يريدها، وبعض الافرقاء يعارضون المسار القائم. من الواجب القيام بتضحيات من اجل بلوغ الهدف، لكنني واثق من ان العدالة ستتحقق لا سيما وان جميع اللبنانيين ينشدونها وأنا طالبت بازالة كل العوائق التي تمنع تحقيقها».
وذكر انه كان اول من نادى بالتغيير، وقال «نظامنا معقد وهو قائم على الديمقراطية التوافقية، كما وانه لدينا 3 مرجعيات سياسية رئيسية، الامر الذي يجعل من الصعب ايجاد حلول مقبولة من الجميع. نحن نسعى الى تطبيق اللامركزية الادارية الموسعة التي من شأنها ان تساهم في تطبيق افضل لدستورنا».
سئل: لقد حصلت اتفاقيات بين الامارات العربية وعدد من الدول مع اسرائيل، ساهمت في التواصل في ما بينها، هل من الممكن بلوغ مثل هذا الامر بين اسرائيل ولبنان؟
اجاب: ان التواصل بين اسرائيل وهذه الدول تم لأن ليست لهذه الدول اجزاء من اراضيها محتلة من قبل اسرائيل، بينما هناك اجزاء من اراضي لبنان وسوريا لا تزال محتلة. وعندما نتوصل الى تحريرها، لن تبقى هناك من مشاكل في ما يتعلق بنزاع عسكري، ويمكن الانطلاق بمسيرة مفاوضات سلام مع اسرائيل، لحفظ الحقوق والسيادة الوطنية وتحرير الارض والمياه، ذلك ان لبنان ليس دولة تحب الحروب».