قالها رئيس حكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلَّف تشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي من قصر بعبدا: «المشوار الجايي رح إجي وضلني قاعد حتى تشكيل الحكومة، وما رح روح، رح نام هون».. أمّا موعد اللقاء التالي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فعند عودته من نيويورك، حيث سيُشارك في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ويُلقي خلالها كلمة لبنان كرئيس للوفد اللبناني. وهذا يعني بأنّ ميقاتي ينوي تشكيل الحكومة في الأسبوع الأخير من أيلول الجاري، أو في تشرين الأول المقبل، بعد أن تيقّن من أنّ حكومته المستقيلة لا يُمكنها أن تستقيل مجدّداً بعد انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، كما أنّه لا يُمكنها سوى استكمال تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، على ما ينصّ عليه الدستور، أي لا يُمكنها تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حصل الشغور الرئاسي، مع عدم تمكّن المجلس النيابي من انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء المهلة الدستورية.
وترى مصادر سياسية بأنّ ما أعلنه ميقاتي يدلّ على نيّة جديّة في تشكيل حكومة جديدة، كاملة المواصفات دستورياً وقانونياً، ما يؤهّلها لاستكمال جميع الملفات التي لن تنتهي في العهد الحالي، أكان ملف الترسيم البحري ربما، أو التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أو مسألة الإصلاح لا سيما في قطاع الكهرباء وغير ذلك.. وأشارت المصادر الى أنّ تعديل إسم أو أكثر على الحكومة الحالية لا يجب أن يتطلّب وقتاً أطول، لكي تتمكّن من نيل ثقة مجلس النوّاب الجديد، قبل دعوته الى جلسة انتخاب الرئيس.
ولكن الأهمّ يبقى التوافق على إسم الرئيس الجديد، على ما عقّبت المصادر، لا أن تحول ولادة الحكومة دون انتخابه ودخول لبنان في مرحلة الشغور الرئاسي، لأنّ مثل هذا الأمر قد يطول ويوصل البلاد الى المزيد من الإنهيار، وربما الى الفوضى الأمنية والإجتماعية. فالمسؤولية الأولى تقع على المسيحيين، قبل سواهم من الشركاء المسلمين في الوطن، لا سيما منهم الأحزاب التي تختلف سياسياً بين بعضها البعض، الأمر الذي يُبعدها عن إيجاد القواسم المشتركة التي يجب أن تؤدّي في نهاية الأمر الى توافقها على من سيخلف الرئيس عون في قصر بعبدا. فموقع الرئاسة الأولى، وإن كان يعني جميع اللبنانيين، إِلَّا أنّه من حصّة المسيحيين بحسب الأعراف، ولا بدّ من الحفاظ عليه، كونه يميّز لبنان عن سائر دول المنطقة بأنّ رئيسه من الديانة المسيحية، ومن الطائفة المارونية.
من هنا، فلا يجوز التفريط بهذا الموقع أو تركه شاغراً، على ما أضافت المصادر نفسها، لكي تتولّى الحكومة مهام رئيس الجمهورية، بل لا بدّ من السعي لتجنّب هذا الأمر، سيما وأنّ التوافق المسيحي على إسم الرئيس الجديد كافٍ لانتخابه في مجلس النوّاب بغالبية الثلثين، الى جانب عدد من أصوات النوّاب الآخرين الذين يتوافقون معهم على الإسم ذاته. أمّا استمرار الصراع المسيحي- المسيحي، فلن يجعل الناس يأكلون عنباً، بل سوف يقتل الناطور، ويقتل معه مستقبل البلد الموعود ببدء التنقيب عن الغاز والنفط واستخراجه وإنتاجه وبيعه الى دول الخارج.
وتقول المصادر بأنّ المرحلة الراهنة تفرض، بحسب التجارب السابقة وتوصيات بعض دول الخارج، بالابتعاد عن انتخاب رئيس أستفزازي لهذا الفريق أو ذاك، خصوصاً وأنّ المشاحنات الداخلية السياسية لا تزال كما كانت قبل انتخاب المجلس النيابي الجديد. وهذا الواقع يدلّ على الشرخ الذي لا يزال قائماً في البلاد، وعلى محاولة كلّ رئيس حزب مسيحي طرح نفسه كمرشح لرئاسة الجمهورية، رغم أنّ أي منهم لم يُعلن ترشيحه بعد. فكلّ من رؤساء «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، و»القوّات اللبنانية» سمير جعجع، و»الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل، و»تيّار المردة» سليمان فرنجية، فضلاً عن النوّاب ميشال معوّض (كونه إبن رئيس الجمهورية الشهيد رينيه معوّض)، ونعمة افرام وسواهما من النوّاب المسيحيين يجد أنّه يحقّ له أن يكون رئيس الجمهورية المقبل لاعتبارات عدّة، في الوقت الذي تقف فيه بعض الأسباب حائلاً دون وصول البعض منهم الى سدّة الرئاسة.
وتنقل المصادر عينها عن بعض دول الخارج أنّه لا بدّ من توجّه النوّاب الى انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، على أن يستحوذ على رضى داخلي من غالبية الكتل النيابية والأحزاب السياسية، وعلى موافقة خارجية من قبل الدول الصديقة للبنان والمؤثّرة على الساحة السياسية. أمّا الهدف من أن يكون مقبولاً من الجميع، فلكي يستكمل الدعم الدولي للبنان من قبل الدول المانحة، الى حين أن يتمكّن من استخراج ثروته النفطية واستثمارها، وتحسين وضعه الإقتصادي والمالي من عائداتها، في حال جرى الإنتخاب قبل أن يتمّ التوافق على إصلاح النظام وتعديل الدستور.
وبرأي المصادر، أنّ ثمّة شخصيات عدّة في لبنان مقبولة من جميع الأطراف ولا خلاف واضح على اسمها مثل قائد الجيش جوزف عون، أو أي نائب مسيحي معتدل يحظى باحترام غالبية النوّاب الحاليين. ولفتت الى أنّ الخطوة التي يقوم بها النوّاب «التغييريين» تجاه جميع الأحزاب والكتل لا بدّ وأن تؤدي الى التقارب حول إسم معيّن، قد لا يكون متداول به حالياً، ويظهر في الربع ساعة الأخيرة من الدعوة الى جلسة انتخاب الرئيس.