على بعد أيام من مفتاح حل ازمة البنزين، برزت الى الواجهة ازمة انعكاس الطوابير على اصحاب المحال. فمنذ مدة وهؤلاء يعيشون الويلات، يتكبدون الخسائر بصمت وهم يتفرجون على رزقتهم ترحل مع طوابير السيارات المتزاحمة باتجاه المحطة.
اكثر من 80 بالمئة من مجمل خسائر المحال سجّلت بفعل الطوابير والانكماش الاقتصادي وهروب الزبائن، كل ذلك جعل من اصحاب المحال رهينة لا تجد من يخرجها من مأزقها ولا يمدّ لها يد العون، حتى القوى الامنية تخلت عنهم، وتركتهم في صراع دائر مع سيارات تقف لأيام وأيام من دون ان يتحرّك اصحابها لازاحتها، بالرغم من ان هذا الامر كلف مشاكل وخناقات كلامية تطورت احياناً الى كباش بالايادي.
“ما بيحسوا. خربولنا بيتنا وما تحرّكوا”، هي جملة تتكرر بين اصحاب المحال ممّن ينتظرون الفرج من دون جدوى، فكل واحد خسارته كبيرة تتراوح بين خسارة الزبائن وتردي الوضع الاقتصادي.
لا تجد فاطمة سوى ماكينة خياطتها لـ”تفش خلقها”، منذ أسابيع ولم يدخل زبون محلها، فالكل يهرب من الطابور و”هو ما انعكس سلباً على مصلحتي، حاولت كثيراً منع السيارات من الركون امام المحل من دون جدوى، فكل صاحب سيارة يقول الطريق مش الك، ولكن المصلحة الي ويحقّ لي بموقف لزبائني، فمن يوقف عنجهيتهم ويردعهم”؟
محاولات عدة قام بها اصحاب المحال لمنع ركن السيارات امامها باءت بالفشل، فهؤلاء وفق وصف التجار، لهم جمهوريتهم، الازمة انتجت جمهورية البنزين وسوقها الاسود الذي حول حياة المحال جحيماً وحياة تجار السوق السوداء نعيماً. وفق حسين، “معظم السيارات لتجار البنزين وهؤلاء “ما بيتحاكو” ومدعومين ما يسمح لهم بتوقيف سياراتهم لأيام وأيام وحين نعترض يتهجّمون علينا”. لا تكفيه خسارته الكبيرة جراء انهيار العملة حتى اضافت الطوابير خسائر اضافية، ما دفعه لعرض محله للطباعة والتصوير للبيع “ما بقى إلنا رزقة هون”، يعلّق وهو يراقب صفّ السيارات المتوقف منذ اربعة أيام ويسأل “وين الدولة؟ ما حدا سئلان عن حدا، طالعة براسنا”.
حال التجار واصحاب الدكاكين المحاذية للمحطات، وحتى المنازل، مأسوي، فالكل يجد صعوبة في الوصول الى محله ودكانه ومنزله، كل ذلك كرمى لمحطة تضع توقيتاً مجهولاً للفتح ولتجار البنزين الذين يركنون سياراتهم لأيام طويلة بانتظار المحطة، وهم بهذه الطريقة يحجزون دورهم في المقدمة، والمحال تحجز دورها مع الافلاس الذي يهدّد مصالحها.
بالكاد يجد احمد مدخلاً لمحله، يتأفّف من السيارات أمامه، فالازمة فرضت كوارث على المجتمع وأفرزت جماعة “زعران” او ما يطلق عليهم “حرامية البنزين”، هؤلاء يستفزون الجميع، يشتبكون مع الكل، همهم ملء خزان السيارة بالبنزين والاسراع لافراغه في غالونات الـ10 ليتر “عدة الشغل”. وفق حسين “هم يربحون ونحن نتكبد الخسارة تلو الخسارة”، فهو بصدد إقفال محله بعدما خسر معظم زبائنه بسبب الطابور.
وداخل محله لبيع الفوبيجو والاكسسوارات يقف محمد متجهماً، أنهى لتوه مشكلاً مع صاحب احدى السيارات المركونة، “مش منطقي ما يحصل، لا اعرف كيف أُدخل وأُخرج البضائع، حتى الزبون هرب، كل ذلك والقوى الأمنية لا تحرك ساكناً وتترك الناس لمصيرها”.
طفح كيل أصحاب المحال، المسألة لم تعد ساعة بنزين وقضي الامر، القضية تعدّت الأيام، ما يعني مزيداً من الخسائر والإشكالات التي قد تنتهي يوماً بالدم، الكل يرمي التهمة على غياب الدولة، ويدعو الى رفع الدعم نهائياً لتنتهي المعاناة والمأساة في آن.
يحاول حيدر التخفيف من عصبيته، فهو يمضي نهاره واضعاً متاريس الدواليب أمام محله وازاحتها من قبل زبون محطة، الأمر الذي اثار حفيظته ودفعه للتعارك مع صاحب السيارة “ما حدا بحس ع دمه”. وفق حيدر الذي يملك محلاً للألبسة الكشفية والرياضية فإن الخسائر “باتت كالرز، كل يوم خسارة مختلفة.. وفوق كل ذلك تطلب مساعدة القوى الامنية فتدير الإذن الطرشاء، فمن يعوّض خسائرنا التي يبدو أنها تحملنا الى جهنّم”؟
أزمة البنزين أرخت بثقلها على كل القطاعات وبدا واضحاً أن اكثر المتضرّرين هم من يعانون من صف الطوابير امام المحال التي أدّت في الفترة الماضية الى سلسلة اشكالات، فكلّ صاحب محل يرفض وقوف السيارات امام محله افساحاً للزبائن، وكادت معركة الصفّ تشعل حرباً كلامية بين كثر من هؤلاء وأصحاب السيارات من دون ان يرشح عنها اي حل، بإستثناء بعض التسهيلات التي تمارسها شرطة البلديات لتنظيم السير والحؤول دون اقفال مداخل المحال. ولكن الامر بحدّ ذاته بات يشكّل حالة نفسية لاصحاب المحال ممّن بدأوا ينتظرون إمّا رفع الدعم لانهاء حالة الطوابير او اقفال محالهم والانتقال الى مكان آخر، وفي الحالتين يطرح السؤال نفسه متى تنتهي ظاهرة الطوابير لإراحة المجتمع؟ أم انها تحوّلت ظاهرة ثابتة بين الناس تلحق الاذى بالبعض على حساب البعض الآخر؟