في معرض قراءتها للإتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل”، وجدت مصادر ديبلوماسية مطلعة أن مفارقات عدة قد برزت على خطّ هذا التطور الإستراتيجي الهام على الساحة الداخلية، يأتي في مقدمها نأي أطراف أساسية ومؤسسات دستورية عن نفسها عن مضمون هذا الإتفاق الذي يتمّ التداول به في كل الأوساط السياسية المحلية والخارجية، ولكن من دون أن تتضح معالمه القانونية وتفاصيله على صعيد حجم الإستفادة المالية على وجه الخصوص من هذا التطور الذي يمسّ بالثروة النفطية كما بالواقع والمعادلات الأمنية على جبهة الصراع مع “إسرائيل”.
ومن هنا فإن المطالبة التي سُجّلت في الأيام الماضية على مستوى عدة كتل نيابية، بالإطلاع على اتفاق الترسيم البحري، وإبداء الرأي به، قد وضعتها المصادر الديبلوماسية المطلعة، في خانة المطالبة المحقّة، خصوصاً وأن النصّ سبق وقد تمّ التداول به في الأوساط الديبلوماسية كما الإعلامية الأجنبية، وإن كانت الإعتراضات أو حتى الموافقة النيابية غير مطلوبة، كون الإتفاق ليس معاهدةً لكي يقرّها مجلس الوزراء ويطلع عليها ويقرّها بدوره مجلس النواب. لكن هذه المعطيات، لا تلغي دور المجلس النيابي الرقابي ولو من حيث المبدأ، ذلك أن الأوان قد فات على دور أي رأي نيابي، بالنسبة للتأثير على نصّ الإتفاق، وبالتالي فإنه من غير المتوقع في اللحظة الراهنة، إدخال أي تعديلات متصّلة بالموقف النيابي أو حتى من موقف قوى سياسية وحزبية من الإتفاق المذكور، وذلك انطلاقاً من التداعيات التي سوف تترتّب على لبنان بكل مندرجاته كما الإنعكاسات السياسية المباشرة على كلّ فئاته وأطرافه المحلية، وذلك نتيجة هذا الحدث البارز والذي دارت مراحله ومفاوضاته وسط جدار من السرية التامة على المستوى اللبناني، ومن دون أية إيضاحات أو تفسيرات أو حتى “تطمينات” كما قالت المصادر نفسها، وبالتالي بقيت عدة نقاط حيوية في هذا الإتفاق غامضةً في الوقت الحالي، ولكنها بالطبع سوف تتظهّر تباعاً في الأسابيع المقبلة ، وذلك مع بدء تنفيذ المراحل العملية منه بين لبنان وإسرائيل وبشكلٍ خاص عندما يبدأ العمل في منصّة كاريش في الشهر المقبل.
وفي سياقٍ متصل، فإن المرحلة المقبلة، سوف تحمل المزيد من التفاصيل على خطّ الإتفاق البحري، مع العلم أن المفاعيل العملية له وبشكلٍ خاص على المستوى المالي الداخلي، لم تكن على مستوى التوقعات، كما كشفت المصادر الديبلوماسية المطلعة، لأن التداعيات المباشرة التي كانت مُفترضة على سعر صرف الدولار، أتت مُعاكسة لكل المقاربات السياسية من قبل الفريق السياسي الذي واكب المفاوضات في الأشهر الماضية. ومن هنا، فإن ما بعد الترسيم البحري، لن يكون كما قبله، حيث أن أواخر تشرين الأول الجاري، وهو موعد الإجراءات الرسمية لتوقيع هذا الإتفاق وإبلاغ الأمم المتحدة بالإحداثيات الخاصة بطرفي الإتفاق، بعدما بدأت عمليات توظيفه على المستوى السياسي تتنامى في الأيام الأخيرة، وفق المصادر الديبلوماسية عينها، التي اعتبرت أن الإيجابية التي يجري التسويق لها لن تكون واضحةً في المدى الزمني المنظور، وذلك لأن كل ما ظهر إلى اليوم هو استثمار وتصفية حسابات قديمة على وقع الحديث عن تفاهم وترسيم بحري وثروة نفطية متوقعة في السنوات المقبلة.