لا زال الوضع الحكومي يدور في حلقةٍ مفرغة، بحيث ليس ثمة ما يوحي بأن توافقاً حصل على أي صيغة جديدة، بعدما رفض رئيس الجمهورية ميشال عون التشكيلة التي قدمها له الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، إذ تكشف معلومات أوساط سياسية مواكبة عن تعقيداتٍ كثيرة، حيث أن المسألة لا ترتبط فقط بالتأليف أو بتطعيم الحكومة الحالية بوجوه سياسية أو تعديل في بعض وزراء حكومة تصريف الأعمال، بل ما يحصل هو تصفية حسابات سياسية ، يأتي ربطاً بالإستحقاق الرئاسي الذي هو الأساس لدى الأطراف السياسية والحزبية كافةً .
ومن هذا المنطلق، تتحدث المعلومات عن توزيع أدوار يحصل بعيداً عن الأضواء، بين القوى السياسية التي لم تسمّ ميقاتي ولم تدعمه في استشارات التكليف، والقوى التي سمّت السفير القاضي نواف سلام، وتدعمه حالياً في مواجهة الرئيس عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. وبمعنى آخر، فإن كلّ المعلومات تتقاطع مع توافق معظم الأطراف على سيناريو التكليف وما بعده، لأن البوصلة لا تتجه نحو تأليف حكومة لا يراها كثيرون مجدية في هذه المرحلة مع اقتراب نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وإنما الأهم هو الإستحقاق الرئاسي، الذي يبقى مدخلاً نحو إعادة هيكلة الدولة بكل مؤسساتها ومرافقها، وبالتالي الوصول إلى مرحلة جديدة مغايرة كلياً عن العهد الحالي وكلّ ما واكبه ورافقه منذ وصول الرئيس عون إلى بعبدا.
ولذلك لا تستبعد المعلومات، أن تشتدّ الحملات السياسية والتصعيد بين العهد وفريقه والقوى المعارضة له، حتى من خارج اصطفافات ما كان يُسمّى بفريق 14 اذار، إذ أن «حركة أمل» التي بدأت هي الأخرى تدخل في سجالٍ مع رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وليس في إطار تصفية الحسابات فقط، وإنما لأكثر من هدف ومُعطى، والأهم قطع الطريق على كلّ من يريده الرئيس عون لخلافته وفي طليعتهم النائب باسيل.
وعلى خطٍ آخر، تلفت العلومات إلى أن خلال الاسابيع القليلة المقبلة، ستشهد العواصم المعنية بالملف اللبناني حراكاً محوره الإستحقاقات اللبنانية بكل تشعّباتها، وفي صلبها الإنتخابات الرئاسية. ولذا يلاحظ أن الوضع الحكومي لم يأخذ طريقه بحماسة بعد الإنتخابات النيابية، بل سيكون ممراً دستورياً إلزامياً من خلال الأطر الدستورية المتّبعة، وبعدها تعود الأمور إلى ما كانت عليه خلال الحكومات السابقة، مع فارق أن ميقاتي هو نفسه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعلى هذه الخلفية ليس لديه ما يخسره أكان شكّل الحكومة أم قام بتعديل وزاري أو بقيت حكومة تصريف الأعمال كما هي، أي أنه باقٍ إلى حين انتهاء العهد وبالتالي، ولديه هامش واسع للمناورات السياسية، وتعبئة الوقت الضائع بجولات على المرجعيات الروحية وسواها لتقطيع الوقت.
إنما وفي المقابل قد يقوم «التيار الوطني الحر» بهجومٍ معاكس، أكان خلال التصعيد السياسي أو غير ذلك، ما يُبقي اللعبة مفتوحة على العديد من الإحتمالات في مرحلةٍ هي الأخطر في تاريخ لبنان، والتي تترافق فيها هذه الأحداث مع استمرار الإنهيار الإقتصادي والحياتي بأشكالٍ مخيفة، تُبقي هي الأخرى كل التوقعات واردة في ظلّ توالي الأحداث على خلفيات إجتماعية ربطاً بهذا الإنهيار المتمادي.