القطع النقدية المعدنية من العملة الوطنية بعد ان فقدت قيمتها المادية وباتت غير متداولة في عمليات البيع والشراء، هناك من اختار بيعها “خردة” للاستفادة من محتوياتها الثمينة أي “النحاس او النيكل” فعمدوا الى اقتنائها عبر شرائها من المواطنين وبأغلى من قيمتها المادية التي ذهبت مع ارتفاع سعر الصرف للدولار في السوق السوداء وانهيار قيمة الليرة اللبنانية.
وعلى مقلب جمالي مبتكر وفريد هناك من ذهب باتجاه آخر للاستفادة من هذه النقود وادخالها في صناعات جديدة من باب الحفاظ عليها. فإن ذهبت قيمتها المادية فلن تذهب قيمتها المعنوية، تماما كما فعلت السيدة ريما مولوي الصمد وهي صاحبة محل لبيع الألبسة في طرابلس ويتضمن اشغالاً متعددة ومتنوعة لإطلاق مشروع أسمته “ليرتي” قائم في ابداعه على النقود المعدنية من فئتي الـ 250 و500 ويدخل في صناعة الحلى.
مركب الامل لا مركب الموت
“الديار” تحدثت الى صاحبة مشروع “ليرتي” السيدة ريما الصمد والتي قالت: بداية لدي حب قوي للبنان والشمال وطرابلس تحديدا وعندما حلّت جائحة كورونا كضيف ثقيل أرهقتنا جسديا ونفسيا وماديا وخطفت منا أيضا ارواحاً عزيزة، أضف الى تسكير البلد ومنع التجوال، ومن ثم أرخت الازمة الاقتصادية بثقلها على لبنان والتي أيضا جعلتنا ننزف أكثر ووجدت ان الكثير من الناس جلست في بيوتها بلا اعمال او مداخيل لتعيش او تشتري احتياجاتها. وتابعت، كان لدي أحلام بالتجدد والتقدم لا بل وإصرار على تحقيقها وترجمتها على ارض الواقع لأكون بمثابة مركب الخلاص لا مركب الموت للناس المتعفّفة والذين لا يقبلون بمبدأ كرتونة الاعاشة والشحاذة ونقطة انطلاقة مشروع “ليرتي” سلك طريقه من هنا أي مع الوضع الاقتصادي السيىء وتدني الأجور والرواتب وفقدانها للقدرة الشرائية مع ارتفاع الدولار ورفع الدعم عن المواد الاساسية.
حُلى من فئتي 250 و500
لفتت الصمد ان فكرة صناعة الحلى من النقود المعدنية تعود للسيدة نسرين الحفار التي تعمل لديها في البوتيك، مستعينة بالنقود المعدنية من فئتي الـ 250 والـ 500 باعتبار ان القيمة المادية لهما فُقدت ولم تعودان قيد التداول في الأسواق كعملة. واستكملت، يعز عليّ ان تتحوّل ليرتنا على النحو التي اضحت عليه لارتباطها الوثيق بهويتنا وانتمائنا وشموخنا، ولم اتقبّل ان تخسر هذه العملة قيمتها والارزة التي في الوسط اردتها ان تبقى عالية، باعتبارها جزءاً من حياتنا وعملت على ترسيخ قيمتها عبر هذه الطريقة.
الاقبال
اشارت الصمد مع بداية العمل في هذا المشروع كان الاقبال جيد جدا والجميع أحب هذه الديباجة وقدّرها لا بل شجعونا على المضي فيها وتطويرها، وبالفعل بدأنا في ابتكار صناعات وتصاميم متعددة منها الاقراط والقلادات والاساور والسلاسل ومن هنا شعرت ان رسالتي اقتصرت على فئة من الناس بالإشارة ان هذا المشروع وُجِد لمساعدة الطبقة المحتاجة. الا انه ما لبث ان بدأ يستقطب طلاب الجامعة بحيث يأتونني للرسم على الجينزات وأيضا الكثير من النساء اللواتي يطرزن انخرطن في العمل معي بحيث يعملن من منازلهن وبدوري بدأت اجول على المعامل في الأسواق الشعبية واسلّمهم اعمالا والتمويل والتسويق يكون على عاتقي.
ليس مشروع ربح
اردفت الصمد ان مشروع “ليرتي” ليس معدا للربح بل هو مشروع وطن، ولتقديم المساعدة لأكبر شريحة من الناس. وغمزت الى ان قسم منه يذهب الى جمعيات الـ NGOS لمساعدة المسنين الذين أُهملوا بسبب الازمة الاقتصادية وتقلّصت كل أسباب ووسائل المساعدة لهؤلاء لا بل انعدمت وهذا جزء من رسالتي.
بعد ان كانت متوفرة بتنا نشتريها
أومأت السيدة الصمد بالقول، بعد ان كانت النقود المعدنية من فئتي الـ 250 و500 مؤمنة أصبحنا نشتريها وأشارت الى اقتنائها العملات القديمة لأنه خلال عملية البيع في أكثرية الأحيان لا يحقق الربح المراد ومن هنا بتنا نفتّش على الليرات والقرش “المبخوش” أي “المخروم” الذي كان سنة 1923 المعروف بالصك الفرنسي. وما تجدر الإشارة اليه، ان الناس تحب الأشياء المميزة والقديمة والتي تحمل قيمة وغير مستهلكة كثيرا في الأسواق.
عملية الصنع
اما السيدة نسرين الحفار صاحبة الفكرة وصانعة الحلى فقالت لـ “الديار” انها تقوم بداية بإرسال النقود الى التنظيف وتحضيرها وبخشها او خرمها لتصبح جاهزة لتنفيذ التصميم وتستغرق بضع أيام بسبب عامل انقطاع التيار الكهربائي. وصناعة الحلى هذه متعددة الاحجام والابتكارات في التصميم والتنفيذ من اساور وأقراط وقلادات وازرار وسعر كل قطعة يتراوح ما بين الـ 4 و6 دولارات بحسب حجم وثقل كل منها.
وفي سياق متصل قالت السيدة ريما الصمد ان هدفها هو توسيع البيكار لكي يكون مشروع “ليرتي” شاملا لمساعدة السيدات المعيلات لعائلاتهن واللواتي هن بحاجة للعمل من منازلهن.
المتاجرة بالعملة الوطنية جُنحة ام جريمة!
بالإشارة الى ان تحشيْد هذه العملات لا يتم فقط من المواطنين الذين كانوا يحفظونها عندما كان لها قيمة ولو بسيطة ليحفظوها لأيام الشّدة في حصّالتهم او “القجّة” كما تسمى والتي اضحت من المحال الاستفادة منها في شراء شيء معين.
ولحيازتها لجأ تجار وجماعات لهم اهداف مادية بحتة الى طرق مبتكرة وسهلة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي تارة، وطورا يمرون على المحلات تحت مسميّات واهداف كاذبة بهدف امتلاك هذه النقود منها شعارات واهية كهواية امتلاك النقود المعدنية.
لم تعد ذو قيمة ومع ذلك لا يمكن المس بها كعملة وطنية
يعتبر الخبير الاقتصادي بشير المر ان النقود بنوعيها الورقي والمعدني تصدر عن مصرف لبنان وتعود اليه باعتباره من يحدد كمية النقود والسيولة التي يجب ان تكون في السوق. وتابع، انه مع هبوط قيمة الليرة وبالتالي العملة المعدنية باتت أضعف بكثير من قيمة المعدن الذي يمثلها. ولفت، انه في كثير من الأماكن لم تعد قائمة او صالحة للاستعمال غامزا الى المحلات التي أضحت لا تضع سعراً فيه كسور بل أرقاما كاملة دون اضافة الـ 500 او 250 على السعر كما كان قبل.
وكنّى المر، حتى الالاف لم يعد لها قيمة اليوم فالعملة الورقية من فئة الـ 10000 ل.ل. كأنها بمثابة الـ 1000 ل.ل. وبالتالي ذهبت قيمتها الاعتبارية ولم تعد موجودة هذه النقود المعدنية وصارت قيمتها كمعدن أغلي بكثير من قيمتها المادية كعملة. وأومأ الى جماعات بدأوا تجميع هذه النقود تمهيدا لبيعها لأنهم يجدون فيها القيمة الحقيقية.
يُمنع تشويه العملة
في سياق متصل ارمز الباحث المصرفي سليم مهنا بالقول: انه فيما يختص بالعملة يجب التمييز ما بين الورقي والمعدني، فممنوع قانونا تشويه العملة عن طريق الكتابة عليها، او الإساءة اليها بأي شكل من الاشكال.
ولفت، اما إذا أراد أي شخص تمزيقها او اتلافها وحتى رميها او استخدامها في أي من الصناعات المبتكرة فهي ملكه وله كامل الحرية التصرف بها بأي طريقة من الطرق وهذا ينطبق بطبيعة الحال على العملات المعدنية إذا أراد تذويبها وهذا رأي الشخصي.
واستتبع بالقول، لكن شرعيتها مستمدة من الفوضى الحاصلة فلا يمكن لوم الناس إذا “صَهَرَت” هذه القطع المعدنية، او استخدمتها في أي صناعة معينة. واستتبع، فمثلا إذا كان لدي “قجة” في داخلها حوالى الكيلو من النقود واشتريتها عندما كان الدولار 1500 ل.ل. واليوم بـ 39000 ل.ل. في هذه الحال انا الخاسر وتعويض خسارتي هو امر مشروع.