نضال محمد العضايلة
ينشغل العالم بمدينة جنين التي يخوض أبناؤها معارك ضارية ضد الجيش الإسرائيلي تخلله حصار خانق سبق المعارك بعدة أيام ولم ينته بعد، وبينما الجميع يرقب بأسى وأحيانا بشجب سقوط عشرات القتلى من المدنيين الفلسطينيين وحدوث مأساة إنسانية ما تزال قائمة، في هذا الوقت طرح الكثيرون تساؤلا ملحا هو:
كيف تمكنت مدينة صغيرة من الصمود بوجه الجيش الذي لا يقهر، ولم تكتف بتكبيده خسائر مؤثرة ومنعه من تحقيق هدفه المعلن باقتحامها، لكنها أجبرت الشعب الإسرائيلي على الولولة، والهروب.
الإجابة على هذه التساؤلات تحتاج أولا إلى معرفة طبيعة أرض المعركة وحجم القوى التي شاركت فيها من الطرفين، وأول ما في ذلك أن جنين محصنة بموانع طبيعية وتعقيدات جغرافية يمكن أن تعيق أو تعرقل الهجمات ضدها أو تمنح المدافعين عنها فرصا أفضل للدفاع أو الاختباء والمطاولة.
فجنين مدينة رأس مثلث سهل مرج ابن عامر، عند التقاء المرتفعات الممتدة من جبل الكرمل ومن جنوب شرق الناصرة. وهي منطقة يحدها من الشرق جبال جلبون، وتتكئ من الغرب والشمال العربي على جبال نابلس.
ومما يعطي موقع مدينة جنين أهمية أنها تقع في موقع وسطي بالنسبة للمدن الفلسطينية، حيث تقع جنوب مدينة الناصرة على بعد 25 كم، وإلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا على بعد 50 كم، وإلى الشمال من مدينة نابلس على بعد 43 كم.
تمركزت المقاومة في مخيم جنين أول الأمر كرد فعل على ما حدث لكنها سرعان ما انتقلت إلى كافة أرجاء المدينة، وظلت مع ذلك مركز استقطاب للمقاومة والعقدة الجوهرية أمام الاحتلال.
لم تكن معارك صيد الدبابات سوى البداية في معركة غير متكافئة، حيث تسبب القصف الإسرائيلي للمناطق السكنية بتصعيد موجة الكراهية للصهاينة، وانضمام أعداد جديدة من أهالي المدينة إلى المقاومة، التي تشير تقديرات بعض السكان إلى أن عددهم لم يكن يتجاوز الـ250 شخصا في أحسن الأحوال، ثم تضاعف هذا الرقم في الأيام اللاحقة، وأصبح كثير من أهالي جنين جزءا من هياكل المدافعين عن المدينة.
شكل التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق تحديا جديا أمام المقاومة الفلسطينية، هدد بحسم المعركة لصالح قوات الاحتلال حتى لو طال الوقت، وكانت الطائرات المروحية أخطر الأسلحة التي استخدمت ضد المقاتلين المقاومين، الأمر الذي استدعى ابتداع وتطوير أنواع من الأسلحة البدائية لكن المؤثرة كما ظهر من سير المعارك.
كان مخيم جنين هدفا استراتيجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي حيث حاولت استهدافه مرات عدة، لكنها فشلت أمام مقاومة أبنائه، حيث وجدت قوات الاحتلال صمودا من سكانه الذين أصروا على البقاء داخل المخيم رغم الأضرار الكبيرة التي تعرضوا لها، وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم ذروتها فجر عام 2002 حين اقتحمت المخيم واشتبكت مع فصائل المقاومة بحرب شوارع أطلق عليها لاحقاً معركة جنين جنين ومخيمها محفوران جيداً في عمق ذاكرة شعبنا الفلسطيني ووجدانه ويكفي القول بأن جنين هي جنين جراد ،جنين لن ترفع الراية مهما اشتد الكرب والحصار ،فرايتها وهاجة خفاقة تطاول عنان السماء جنين قدمت خلال عامين 45 شهيداً عدا الجرحى والأسرى المحتل بات يدرك بأن جنين هي خزان الثورة المقاوم جنين التي صمد مخيمها قبل عشرين عاماً في الانتفاضة الثانية أمام اعتى آلة حرب صهيونية.
جنين أسطورة المقاومة والصمود، ومعجزة الحفاظ على وحدة الفلسطينيين، وحدة كل الفصائل من اقصى اليمين لاقصى اليسار تحت راية قتال العدو وفي خندق المقاومة الذي أعاد الحياة للقضية، وأعاد النور لوجهها المشرق، وأعاد الاحترام والتبجيل للشعب الفلسطيني وذكر، بأمجاد هذا الشعب، على مر التاريخ.
معارك جنين التي خاض فيها المجاهدون معارك الكرامة بكل ما حملت من دلالات انتصار وحدة السلاح الفلسطيني في مواجهة الغزو الصهيوني، ليعلن العالم إنه جهاد نصر أو استشهاد، كان المخيم، ولا وانا نذكر محمود طوالبة، والشيخ رياض بدير، وأبو جندل، الذين كتبوا بالدماء وصاياهم، وبالجهاد سطروا سجلاتهم لتكون كتباً يقرؤها الصغار قبل الكبار، يتعلمون منها أن المستحيل المستحيل، أن يفكر الشعب الفلسطيني بالتنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين كل فلسطين.
المجد والشموخ والكبرياء لجنين وقد تحولت إلى مصنع للرجال الرجال، المجد لمخيم جنين وهو يلقن الصهاينة درسا في التضحية والاستشهاد والصمود والمقاومة، ويخرج من كل الحرائق، كالعنقاء، أشد إصرارا على المقاومة والاستشهاد، والخلود لشهداء جنين، ولكل شهداء فلسطين والأمة العربية.