نضال العضايلة
في العام 2014، قامت روسيا بالعديد من العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، بعد احتجاجات الميدان الأوروبي وعزل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، على إثر ذلك فرضت عقوبات دولية خلال الحرب الروسية الأوكرانية من قبل عدد كبير من البلدان ضد روسيا، وقد فرضت الجزاءات من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان والمنظمات الدولية ضد الأفراد والأعمال التجارية والمسؤولين من روسيا وأوكرانيا.
روسيا ردت على عدد من البلدان، بما في ذلك فرض حظر كامل على الواردات الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والنرويج وكندا وأستراليا.
ساهمت العقوبات في انهيار الروبل الروسي والأزمة المالية الروسية، وتسببت أيضاً في أضرار اقتصادية لعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث قُدرت الخسائر الإجمالية بمبلغ 100 مليار يورو (حتى العام 2015)، وفي العام 2014، أعلن وزير المالية الروسي أن الجزاءات كلفت روسيا 40 مليار دولار، مع خسارة قدرها 100 مليار دولار أخرى في عام 2014 نتيجة لانخفاض سعر النفط في نفس العام بسبب تخمة النفط في عام 2010.
وفي أعقاب أحدث العقوبات التي فرضت في أغسطس 2018، بلغت الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها روسيا نحو 0.5% إلى 1.5% من نمو الناتج المحلي الإجمالي.
تلك العقوبات أجبرت روسيا على تغيير نهجها تجاه أوكرانيا وتقويض التقدم العسكري الروسي في المنطقة ويقول ممثلو هذه الدول إنهم لن يرفعوا العقوبات المفروضة على روسيا إلا بعد وفاء موسكو باتفاقيات مينسك الثانية.
واليوم يبدو أن العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على روسيا في مختلف المجالات مزعجة، ولكنها ليست حرجة.
ومع شن الهجوم الروسي المتواصل على أوكرانيا منذ فجر الخميس، حذا البيت الأبيض، حذو حلفائه الأوروبيين في توسيع عقوباته لتشمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، ويبدو أن فرض هذه العقوبات من عدد معين من الدول مرتبط بالتوجهات والعلاقات السياسية لتلك البلدان مع روسيا.
إن فرض العقوبات عادةً ما يصدر عن الحلف المضاد، وعلى سبيل المثال، روسيا والصين تُعتبران ضمن محور سياسي واحد ضد المحور الأميركي الأوروبي، وبالتالي لا يمكن فرض الحظر على روسيا من الصين، ويتوقف تأثير تلك العقوبات على عدة عوامل، أولها حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الفارضة للعقوبات، فكلما زاد حجم التبادل كان تأثير العقوبات أكبر، وكلما ارتفع عدد الدول المشتركة بالعقوبات والمنضمّة إلى المعسكر الأميركي، زاد تأثير العقوبات على روسيا.
الأمر الآخر هو أنه كلما كانت الجبهة الروسية الداخلية متينة وقوية انخفض تأثير العقوبات على البلاد، لهذا فأن العقوبات الاقتصادية الأخيرة ستكون ذات تأثير قليل ولن يدوم مدةً طويلة، خصوصاً وأن موسكو “استبقت” فرضية “تشديد” العقوبات الغربية، إلى أنه وفي المقابل لا يزال ممكنا “توجيه ضربات قاسية” إليها بمزيد من الإجراءات، لكن تأثيرها قد يكون “هائلا” على الاقتصادات الأوروبية.
اذاً نحن أمام اقتصاد يتمتع بمستوى قياسي من الاحتياطات النقدية، وهذا يشكل صمام أمان بالغ الأهمية، والنقطة الثانية هي أننا شهدنا في الأعوام الأخيرة فائضا ملحوظا جدا بالميزان التجاري، وعليه فإن الاقتصاد الروسي لا يحتاج إلى اللجوء للأسواق المالية العالمية منذ عام 2014، نحن إزاء اقتصاد بات مقاوما جداً.
وعلى العموم فإن لدى روسيا أدوات هجوم وإحدى هذه الأدوات هي الأسعار المرتفعة للمواد الأولية، إذ أن موسكو تستطيع أن توجه صادراتها نحو جنوب شرق آسيا، علما أنها بدأت بذلك.
Comments 2