في محصلة الجولة الأولى من الإستطلاعات الفرنسية التي تتعلق بالملف اللبناني، يبدو أن الجميع لا يزال يراهن على عامل الوقت من أجل الوصول إلى ظروف أفضل يخوض فيها الإستحقاق الرئاسي، حيث ليس هناك من فريق لديه الإستعداد لتقديم تنازلات مجانية، لا سيما إذا لم يكن مضطراً لذلك، واليوم لا يجد أحد نفسه مضطراً للتنازل، حتى ولو كانت النصائح تقول للجميع “اتفقوا”.
من هنا، يبدو أن المملكة العربية السعودية، التي كانت قد تغاضت عن الدخول في معركة تسمية رئيس الحكومة المكلف في الفترة الماضية، ليست في وارد تقديم أي تنازل في الإستحقاق الرئاسي، لا سيما بالنسبة إلى المواصفات التي كانت قد حددتها في البيان الثلاثي مع فرنسا وأميركا، الأمر الذي يبرر عدم إستعجالها التسوية الرئاسية، وهذا التباطؤ يؤدي بالدرجة الاولى الى امتناع أحد من الجهات الخارجية عن تسمية مرشحين مفضلين للرئاسة، فطالما أن الحديث هو عن المواصفات، فيعني أن انتخاب الرئيس لا يزال متأخراً.
في هذا السياق، ينبغي التوقف عند نقطتين: الأولى هي أن عدم الإستعجال الخارجي، قبل الداخلي، يعود إلى الرهان على تطورات من الممكن أن تحصل على المستوى الإقليمي، خصوصاً في ظل الأوضاع الإيرانية الداخلية، أما الثانية فهي أن الرياض لم تقفل حتى الآن الأبواب أمام العودة إلى التفاهم على إسم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي يلبي جزءاً من المواصفات التي تطرحها، بالنسبة إلى التمسك باتفاق الطائف، والذي يسعى بحسب المعلومات الى التقارب مع المملكة للتحاور معها بشأن الرئاسة، عبر وسطاء يعملون على خط زغرتا – الرياض، وربما يتمكنون من صناعة طاولة حوار بين فرنجية والمسؤولين في المملكة بعد أسابيع قليلة، وبحال نجاحه فإنه يكون قد قطع شوطاً مهماً في الطريق الى بعبدا.
في المقابل، توحي المواقف التي يعبر عنها “حزب الله”، لا سيما بالنسبة إلى التمسك بفرنجية، رغم عدم الإعلان رسمياً عن تبنيه أو ترشيحه، إلى أن الحزب لم يستسلم إلى الوقائع الراهنة، سواء تلك المتعلقة بالخلاف مع “التيار الوطني الحر” حول الإسم، أو بالنسبة إلى عدم إقتناع الفريق الآخر به، وبالتالي هو أيضاً يراهن على تطورات من الممكن أن تصب لصالح دعم ترشيح رئيس تيار “المردة”، الذي يعتبر المرشح الأفضل له في المرحلة الراهنة.
بالنسبة الى حزب الله، فإن تمسكه بترشيح سليمان فرنجية سيشتدّ في المرحلة المقبلة بسبب رهان الفريق الآخر على تطورات اقليمية تصبّ لصالحه، وتساهم بإضعاف محور حزب الله، لذلك فإن الحزب الذي يعتبر نفسه رأساً أساسياً بالمحور لن يتراجع كما يظن البعض، ففي حال خسر محوره في ساحة ما، سيجد نفسه متشدداً اكثر للتعويض في لبنان، وربما هذا ما لا يفهمه خصوم الحزب الذين يعتبرون أنه خاضع لأوامر خارجية.
بالخلاصة، دخلنا اليوم مرحلة الرهانات الإقليمية، وبات الملف الرئاسي رهينة نتائج الرهانات، فلا الولايات المتحدة الأميركية مستعجلة، بدليل الأولويات الخارجية التي تعبر عنها الإدارة الأميركية بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية، وملف الغاز، والتفاوض مع إيران، ناهيك عن الاستحقاقات الداخلية لإدارة بايدن، ولا السعودية مستعجلة لأنها تعتبر المرحلة الحالية ستُضعف إيران.