من المرجح ان تطوى حادثة الكحالة كما غيرها من الاحداث في بلد تبقى فيه الحقيقة دائما الضحية الاولى. ثمة من اراد افتعال فتنة كادت تجر البلاد الى مواجهة دموية مفتوحة، فمن اراد عن قصد او عن فعل مدبر المس بسلاح المقاومة يعرف مسبقا انه يتجاوز «خطوطا حمراء» لا يمكن لحزب الله ان يسمح بها مهما كانت النتائج والتضحيات. ومن حاول الاستثمار بحادثة انقلاب الشاحنة يعرف جيدا عن سابق تصور وتصميم ما يريده من وراء التحريض على الحزب في توقيت مشبوه باتت فيه الاسئلة مشروعة ومفتوحة على كل الاحتمالات. التحقيقات لا تزال في بدايتها وهي لا تستبعد اي سيناريو، وجمع المعطيات يحصل بدقة متناهية للوصول الى الحقائق بالسرعة المطلوبة بعد نجاح الجيش بسحب فتيل التوتر من الشارع متعاليا عن اتهامات سيقت بحقه من قبل قوى المعارضة التي رفعت سقف التصعيد واعلنت عن اجندة مختلفة للمواجهة مع حزب الله الذي شيع المقاوم الشاب احمد قصاص واختار عن قناعة عدم الانجرار الى اجندات تسعى الى هز السلم الاهلي مراعيا الكثير من الحساسيات الداخلية، دون ان يتخلى عن مطلب التوسع في التحقيقات ومحاسبة كل من شارك في الاعتداء وحرض عليه. اما الكحالة فهي تشيع ابنها فادي بجاني وطلب العائلة ان يكون شعبيا على وقع استمرار التصعيد من قبل بعض القوى، فيما اختار التيار الوطني الحر»صوت العقل» ورفض كل انفعال واستغلال للحادثة المؤلمة بهدف توتير الاجواء والتسبب بفتنة يسعى اليها الكثيرون في الداخل والخارج. وهو امر دعا اليه ايضا رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي طالب بمد جسور الثقة بدل سموم الكراهية. ومع تقدم الاحداث الامنية الى الواجهة داخليا، تخشى اسرائيل من مفاجآت على الحدود، فيما غابت السياسية، لكن اللافت قضائيا قيام الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وكندا وبشكل متزامن بوضع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على لائحة العقوبات بتهمة الفساد،ما يطرح ايضا اكثر من علامة استفهام حول التوقيت؟
هدوء ميداني
في هذا الوقت نجحت قيادة الجيش في احتواء الازمة، وسحب فتيل التفجير من الشارع، وباشرت استخبارات الجيش تحقيقاتها في الحادث، وتم مقاطعة الفيديوهات والاستماع الى بعض الشهود. وقد اتضح من خلال تحرك الجيش على الارض ان التنسيق قائم بين المقاومة والقيادة العسكرية التي تعرف جيدا طبيعة وجهة هذه الاسلحة. وقد شهدت الكحالة منذ صباح امس هدوءا حذرا وتركت الساحة امس للتحقيقات التي ارتكزت على كاميرات المراقبة، حيث يتم التركيز على تحديد هوية من بدأ باطلاق النار، وما اذا كانت الشاحنة قد انقلبت بحادث عرضي، وسيحدد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الذي بدأ التحقيق في الحادثة الجهة المخولة متابعة التحقيق لاحقاً في ضوء النتيجة.
الذخيرة لن تصادر
وكانت قيادة الجيش اعلنت أنّ الشاحنة التي انقلبت على طريق عام الكحالة كانت تحمل ذخائر، وقد تمّ رفعها ونقل حمولتها إلى أحد المراكز العسكرية. وأوضحت، في بيان انه لدى انقلاب الشاحنة، حصل إشكال بين مرافقي الشاحنة والأهالي ما أدّى إلى سقوط قتيلين. وقد حضرت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على تطويق الإشكال، وتم نقل حمولة الشاحنة إلى أحد المراكز العسكرية، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص. وأشارت إلى أنّه عند الساعة الرابعة من فجر امس، قامت القوة برفع الشاحنة وفتح الطريق بالاتجاهين، فيما يواصل الجيش متابعة الوضع واتخاذ التدابير الأمنية المناسبة.ووفقا للمعلومات، فان الذخيرة لن تصادر بل سيجري تسليمها لحزب الله باعتبارها مشرعة عبر البيانات الوزارية المتعاقبة التي تسمح بمقاومة الاحتلال بكافة الاساليب المشروعة.
هواجس وعلامات استفهام؟
ووفقا لمصادر مقربة من حزب الله بات واضحا ان بعض الجهات اللبنانية تعمد إلى استغلال كلّ حدث أمني أو سياسي، واستباق أيّ تحقيقات، لتوجيه الاتهامات بحق الحزب، ولفتت الى ان تدخل الجيش الحاسم منع انزلاق البلاد الى ما لا تحمد عقباه بعدما قامت مجموعة مسلحة تتبع جهة سياسية معروفة، بالاعتداء على فريق الحماية الذي كان يعالج مشكلة انقلاب شاحنة تابعة للمقاومة أثناء انتقالها من البقاع إلى بيروت. وتطرح حملات التحريض التي تبثّها بعض الجهات، واللعب على وتر إشعال فتيل حرب أهلية، اكثر من علامة استفهام. ولفتت الى ان رد فعل الحزب في الكحالة كان مسؤولا وراعى الحساسيات الداخلية، بهدف الحفاظ على السلم الأهلي وعدم السماح لهذه القوى بتحقيق أجندتها لجر المقاومة الى ساحة الاقتتال الداخلي،وهي خدمة مجانية لدولة الاحتلال الاسرائيلي. ولهذا ينتظر حزب الله التحقيقات لمعرفة ما اذا كان التوظيف السريع لما حصل من تحريض على المقاومة، يؤكد أن ما جرى في الكحالة كان مدبّرا لان التوقيت مشبوه والاستهداف واضح، وهناك من يحاول أن يستثمر في الفراغ الذي يعيشه لبنان، والتحريض على المقاومة، واللافت كان ظهور لافتات كبيرة كتبت عليها شعارات ضد ايران وحزب الله. وهذا يثير شكوك حول خلفيات الحادث.
حزب الله: لن ننجر للفتنة
في هذا الوقت، رفض حزب الله الانجرار الى الفتنة، وبمشاركة شعبية حاشدة، شيّع الحزب الشهيد أحمد علي قصاص في «روضة الحوراء زينب» في الغبيري. وخلال مراسم التشييع، قال مسؤول قسم التبليغ والأنشطة الثقافية في حزب الله، علي فحص، إنّ الشهيد شارك إلى جانب إخوانه المقاومين في الدفاع عن بلدة معلولا وأضاء شمعة أمام كنيستها لا ليُكافأ بالاعتداء عليه بالرصاص والقتل من قبل مسلحين أمام كنيسة الكحالة. ورأى أن ما جرى في الكحالة هو اعتداء فاضح في وقت كان يتواصل الأخوة مع الجهات الأمنية لسحب الشاحنة التي كان بالامكان أن تمر بعد اصلاحها بشكل طبيعي لكن تدخل المسـلحين بهذه الطريقة هو الذي أدى لحصول هذا الحادث المؤسف. وقال «من الذي أعطاهم الحق في اعتراض الشاحنة؟ شهـيدنا قـتل مظلومًا في هذا الاعتـداء السافر وغير المبرر، لكن لم ولن ننجر الى الفتنة. ولن نحقّق مساعي من يريد أخذ البلد إلى الفتنة وكلّ اللبنانيين يعرفون من يمتهن التحريض والمتاجرة بالدم واثارة الفتن بين اللبنانيين.
انتظار التحقيقات
بدورها، دانت كتلة الوفاء للمقاومة الظهور المليشياوي الذي شهدته منطقة الكحالة عقب انقلاب شاحنة للمقاومة والاعتداء على أفرادها في محاولة للاستيلاء عليها، معتبرةً ذلك نتاجَ التحريض والتعبئة الغبية والحاقدة التي تشكل مادة فتنوية يعمل على توظيفها المتورطون بمشاريع معادية للبنان. ولفتت إلى أنّ التوتير وما نجم عنه بعهدة التحقيقات الجارية لتأكيد الوقائع وكشف المتورطين والحاقدين وسوقهم للعدالة.
تصعيد وانتقاد الجيش!
في المقابل واصل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، التصعيد ورأى الجميل خلال مؤتمر صحافي استثنائي بعد اجتماع للمكتب السياسي الكاتئبي في الكحالة، أن ما اسماه السلاح غير الشّرعي يحظى بغطاء من دولة مخطوفة ولهذا السبب لن نتوجّه إلى أركان الدولة لأنّ قرارهم ليس بأيديهم. وانتقد الجميل قيادة الجيش قائلا « نعرف أنّ الجيش يُنفّذ الأوامر وأنّ السلطة السياسية مخطوفة وأنّ هناك معادلة مفروضة على اللبنانيين إسمها «جيش وشعب ومقاومة». واعتبر أنه يجب أن تعرف قيادة الجيش أنّ أسلوب حزب الله في التعاطي سيوصل البلد إلى أماكن خطرة وإذا لم يتحمّل الجيش مسؤوليّته ولم يضع حدًّا لكلّ الممارسات يكون بدوره شاهد زور على ما يُمكن أن يصل إليه البلد». وطالب الجميّل المعارضة «بالانتقال من الأسلوب التقليدي في العمل السياسي إلى موقع آخر وجوديّ وكيانيّ وهو اتّخاذ قرارات وخطوات استثنائيّة».