لم يتأخر رد الفعل الإسرائيلي، على البيان الصيني، الذي تضمن نجاح المساعي التي قام بها المسؤولون الصينيون، لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في بكين، وفي مقدمتهم حركة فتح، وحركة حماس، بعد طول خلاف أدى إلى انقسام حاد في السلطة الفلسطينية، وتراجع ملحوظ في استكمال مشروع قيام الدولة الفلسطينية، حتى انبرى وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ليهاجم السلطة الفلسطينية ويتهم رئيسها محمود عباس، باحتضان ما سماه بالارهاب من خلال المصالحة مع حماس، ويرفض ما تضمنه بيان المصالحة، من تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى مسؤولية السلطة في قطاع غزّة، بعد انتهاء الحرب، ليؤكد مجددا «عزم الدولة العبرية على تدمير حركة حماس بالكامل».
لم يكن موقف وزير الخارجية الإسرائيلي مفاجئاً، او مستغرباً، للوقوف ضد المصالحة الفلسطينية، بل كان متوقعاً، ويعبّر بوضوح عن سياسة إسرائيل المتواصلة، لعرقلة وتعطيل اي مصالحة تؤدي إلى الوحدة بين مكونات الشعب الفلسطيني، ولقطع الطريق امام تقوية الموقف الفلسطيني العام في الصراع الدائر مع إسرائيل، لاستكمال تنفيذ تقوية السلطة الفلسطينية، وتحقيق قيام الدولة الفلسطينية.
يندرج موقف وزير الخارجية الإسرائيلي ضمن سياسة الدولة العبرية عموما، برفض اي جهد اوتحرك يصب في خانة تأييد قيام الدولة الفلسطينية، بالرغم من دعوات العديد من الدول التي كانت تساند إسرائيل سابقا، لتسريع الخطى لتحقيق هذا الهدف، بعدما اظهرت وقائع الاحداث والحرب الإسرائيلية العدوانية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة منذ مايقارب الثمانية اشهر، استحالة السلام، مع استمرار إسرائيل بتجاهل حقوق الفلسطينيين، لاقامة دولتهم المستقلة.
ولن يكون الرفض للمصالحة الفلسطينية من جانب إسرائيل وحدها، استنادا إلى وقائع التدخلات في القضية الفلسطينية ومجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الدائر،بل كانت لايران اليد الطولى، في اجهاض المصالحات الفلسطينية التي حصلت في مكة المكرمة سابقا، والدوحة وفي مصر أكثر من مرة برعاية مصرية، وكان التحريض الايراني عاملا مؤثرا في تأجيج الخلاف الحاصل بين حركة فتح من جهة وحركة حماس والجهاد الاسلامي، ووضع العصي امام كل محاولات انهاء هذا الخلاف وتحقيق مصالحة حقيقية وجديّة بينهم، لان مثل هذه المصالحة، توقف التدخلات الايرانية، وتسقط ورقة مهمة من ايدي النظام الايراني لاستغلال القضية الفلسطينية، لمصلحة ايران ونفوذها بالمنطقة.
تكمن تحديات اتفاقية بكين لتحقيق المصالحة الفلسطينية، في انجاح هذه المصالحة ووضعها موضع التنفيذ العملي، وهذا يتطلب مرور بعض الوقت لتقصي مدى جدية التزام الفصائل الفلسطينيةبها، باعتبارها عاملا اساسيا ومؤثرا، في الطريق الطويل والمتعرج لاقامة الدولة الفلسطينية، واسقاط كل مكائد الدولة العبرية، لتعطيل محاولات تسليم مسؤولية ادارة قطاع غزّة للفلسطينيين ممثلين بالفصائل المتصالحة، وتمكين السلطة الفلسطينية، من مد نفوذها وبسط سلطتها ووقف عمليات الاستيلاء الإسرائيلي على مناطق جديدة بالضفة الغربية وقطاع غزّة.