من وسط ضبابية الأجواء التي تلف مختلف نواحي المشهد السياسي في البلد تحت وطأة استمرار نهج المرواحة والمناورة مستحكماً بأداء السلطة حيال مجمل الملفات الإصلاحية والحياتية، عاد ملف ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة أمس مدفوعاً برسائل متبادلة تؤكد جهوزية الجانبين اللبناني والإسرائيلي لاستئناف الجلوس إلى طاولة المفاوضات بمعية الوسيط الأميركي.
وفي ما بدا أشبه برسائل متعمدة لإبداء الاستعداد لـ”تدوير الزوايا” أمام مبعوث واشنطن السفير آموس هوكشتاين عشية عودته إلى المنطقة الشهر المقبل، تقاطعت التصريحات الرسمية بين لبنان وإسرائيل عند محاولة إضفاء أجواء إيجابية تمهيدية لجولة هوكشتاين المكوكية المرتقبة، والتي سيبدأها من تل أبيب الأسبوع المقبل قبل أن ينتقل منها إلى بيروت لاستئناف مهمة “استكشاف النوايا وجديتها” كما نقلت مصادر مواكبة للتحضيرات الجارية للجولة، موضحةً أنّ “الأهم من إعراب الجانبين اللبناني والإسرائيلي عن جهوزيتهما لاستئناف عملية التفاوض على ترسيم الحدود، أن يبدي كل منهما قابليته لترسيم السقوف التفاوضية في سبيل إنجاح الوساطة الأميركية”.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد أبلغ المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السفيرة يوانّا رونيسكا خلال استقبالها في قصر بعبدا أمس “جهوزية لبنان لمعاودة التفاوض لترسيم الحدود البحرية الجنوبية على نحو يحفظ حقوق الدولة اللبنانية وسيادتها”، وهو موقف تلقفته وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين إلهرار بإبداء استعداد إسرائيل في المقابل لاستئناف التفاوض، كما نقلت عنها وسائل إعلام إسرائيلية تعليقاً على كلام عون، في حين نقلت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان” التي أكدت وصول الوسيط الأميركي الأسبوع المقبل إلى تل أبيب للقاء إلهرار ومسؤولين إسرائيليين آخرين، عن مصادر رسمية إسرائيلية قولها: “بالنسبة لنا، المفاوضات لم تتوقف أبداً، لكن على لبنان أن يتوقف عن رفع مطالب جديدة”.
أما على الجانب اللبناني، فأكد مصدر واسع الاطلاع لـ”نداء الوطن” أن الدوائر الرسمية لم تتبلغ بعد موعد قدوم هوكشتاين إلى بيروت، لافتةً إلى أن “الوسيط الأميركي والوفد المرافق له كانوا قد استحصلوا من السفارة اللبنانية في واشنطن على تأشيرات منذ عشرة أيام، لكن تم لاحقاً إعلام لبنان بتأجيل الزيارة الى النصف الثاني من شباط المقبل بسبب إجراءات كورونا، ومنذ ذلك الحين لم يتبلغ لبنان رسمياً أي جديد في ما يتصل بتقديم الموعد”.
حكومياً، تتواصل الجلسات المكوكية في السراي الكبير برئاسة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي لإنجاز مشروع الموازنة العامة للعام الجاري، في وقت أجاز رئيس الجمهورية امس صرف النفقات اعتباراً من أول شباط 2022 ولغاية صدور قانون الموازنة “على أساس القاعدة الاثنتي عشرية”. واسترعى الانتباه في جلسة الأمس تأكيد ميقاتي على أنّ مشروع الموازنة الذي يجري إعداده “لا علاقة لصندوق النقد الدولي في أي من مندرجاته”، بينما استدعت الردود الرافضة لمسألة منح وزير المالية “صلاحيات تشريعية استثنائية” إلى سقوط البند بعدما سارع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى إعادة سحب هذا “الأرنب” من التداول بعدما تولى وزير المالية يوسف خليل إدراجه ضمن بنود مشروع الموازنة الذي أعده ورفعه إلى مجلس الوزراء، ليعود بنفسه أمس خلال جلسة السراي إلى طلب إلغاء المادة 109، مبرراً تراجعه عنها بالقول: “الأفضل الإبقاء على صلاحية مجلس الوزراء بتقديم اقتراح إلى المجلس النيابي، عملاً باحكام الدستور التي تنيط بالمجلس النيابي حق التشريع بصورة خاصة في القضايا المالية”.
وإذ يستأنف مجلس الوزراء جلساته صباحاً “لاستكمال المواد التي تم تأخير البت بها وإكمال المواد المدرجة في مشروع الموازنة” تمهيداً للبدء بدراسة “أوجه النفقات عن طريق ملف كل وزارة على حدة” في جلسات لاحقة، أضاءت مصادر اقتصادية على معضلة تعدد أسعار الصرف باعتبارها مسألة “تقوض مفعول الموازنة وتهدد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، مشيرةً إلى خطورة “الاعتراف بتأثير التقلبات السريعة وغير المرتقبة لسعر الصرف واعتماد أسعار صرف مختلفة” في تقرير الموازنة، بينما المطلوب أن تبادر الحكومة إلى تأكيد عزمها على توحيد سعر صرف الدولار من ضمن الخطوات الضرورية لإنجاح العملية التفاوضية مع صندوق النقد و”هذا ما كان يجب أن يسبق إعداد الموازنة ويأتي من ضمن الخطة الاقتصادية الشاملة”.
وإذ نوهت بأنّ “التقلبات في سعر الصرف لن تؤثر على كيفية احتساب النفقات والايرادات إنما أيضاً على تضاؤل الإيرادات إلى معدلات قياسية”، لفتت المصادر إلى أنّ التوقعات الحكومية المتفائلة بتحقيق 39 ألف مليار ليرة من الإيرادات الضريبية، و10 الاف مليار من مصادر أخرى لتغطية نفقات بقيمة 49417 مليار ليرة “لن يتحقق منها شيء طالما سعر الصرف يرتفع وينخفض بناءً على التصريحات السياسية”، مضيفةً إلى هذا المعطى الذي يؤدي إلى إحجام المكلفين عن التسديد بانتظار ما يسفر عنه سعر الصرف أنّ “هذه الايرادات مبنية على نمو بنسبة 3 في المئة وهذا أيضاً من الصعب أن نشهده”.
وأمام هذا الواقع ترى المصادر أنّ “حجر العثرة” الأساس أمام مشروع الموازنة هو تعدد أسعار الصرف فيها “فمن جهة تطمح الحكومة لاستيفاء الرسوم والضرائب على سعر صرف منصة صيرفة، ومن جهة أخرى تبقي سحوبات الدولار من المصارف على سعر 8000 ليرة، وهذا قمة التناقض وفيه ظلم كبير لشريحة واسعة من اللبنانيين”، مشددةً على أنّ “مسألة توحيد سعر الصرف تحتل قائمة أولويات المفاوضات التي يجريها الفريق الحكومي مع صندوق النقد الدولي، ومن دون التوصل إلى حل لها فان المفاوضات ستكون معرضة للخطر”.
Comments 1