يحاول حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري ابعاد الكأس المرة عن لبنان وعدم ادراجه على اللائحة الرمادية بعد الفرصة التي اعطتها مجموعة العمل المالي (فاتف)منذ سنة تقريبا من اجل تقليص حجم الاقتصاد النقدي الذي من خلاله تتم عمليات تبييض الاموال في حال وجودها .
وقد تخوفت مصادر مصرفية من ان يكون تقييم مجموعة العمل المالي الدولية سلبيا في الاجتماع الذي ستعقده في نهاية الشهر الحالي لتحديد تصنيف لبنان على مستوى مخاطر تبييض الأموال، مما يزيد الاعباء المالية والمصرفية تأزما جديدا .
واعتبرت هذه المصادر ان لبنان لم يتمكن من تقليص حجم الاقتصاد النقدي الذي من خلاله يتم الانفاذ في عمليات تبييض الاموال رغم محاولات مصرف لبنان المضنية لذلك .
هل تأخر لبنان عن المعالجة ام انه غير قادر وبالتالي سيوضع لبنان على اللائحة الرمادية ؟
الخبير المصرفي والمالي الدكتور جو سروع تحدث للديار في هذا الموضوع فقال: ابدى لبنان حرصه الشديد تشريعيا ومصرفيا على امتثال القوانين العالمية المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال ومنها على سبيل المثال لا الحصر عندما اقر المجلس النيابي في حينه اربعة قوانين اساسية تتعلق بمكافحة تبييض الاموال والارهاب وتجفيف مصادر تمويله اضافة الى تبادل المعلومات بهذا الخصوص .
وعلى الصعيد العملي انشأ مصرف لبنان هيئة مكافحة تبييض الاموال والتي سجلت اداء جيدا واحالت العديد من الملفات المخالفة الى القضاء وقد تبوأ رئاستها الفاتف عبد منصور .وفي هذا السياق استثمر القطاع المصرفي في انشاء وتطوير اقسام الامتثال المجهزة تقنيا وعملانيا واداريا مما ابقاه على تماس مع المصارف المراسلة وهذا يعني التأكيد الى حد كبير في التزام وحرص المصارف على امتثال القوانين الدولية، هذه العلاقة الايجابية بين مجموعة العمل المالي ولبنان عموما والقطاع المصرفي خصوصا اصابها تاكل الثقة وطبيعة الخدمات من ناحية عمقها واتساعها ونوعيتها مما وضع الالتزام العام لفاتف موضع شك جدي تمثل بمراجعتها لفعالية لبنان ومدى التزامه المطلوب في المنظور وضعه على اللائحة الرمادية. وفي اخر مراجعتين لم يتم ادراجه فاخذت المجموعة بعين الاعتبار وضعه الاستثنائي .
ويضيف سروع: وكذلك المطالبة بالتبني وتنفيذ اعادة هيكلة جدية للمصارف وكذلك التعامل الجدي والقانوني والعملاني لكبح النمو المتصاعد والعمودي للاقتصاد النقدي في سبيل تجفيفه والتي تدل بعض الاحصاءات ان حجمه بين ٤٠ و٤٥ في المئة من الاقتصاد الوطني وطبعا فان المطلوب ان يكون الاصلاح المستهدف شفافا وقابلا للقياس كما ونوعا .
في هذا الاطار استقبل مصرف لبنان مؤخرا وفدين من لجنة تابعة لفاتف والبنك الدولي كل على حدة في مهمة ايجاد الحقائق وما تم نشره في هذين الاجتماعين يشير الى الحقيقة التي تم ايجادها وهي في الجانب الاخر من الحقيقة المطلوبة مما انعكس خشية من التنامي المقلق من الاقتصاد النقدي وانسحابه السلبي على الاقتصاد الوطني وبالتالي على اهمية اقفال لبنان للقوانين الدولية القائمة بهذا الخصوص في ظل اصلاحات محدودة وخجولة تفتقر الى الفعالية الاستراتجية والفعالية العملانية .لم تعد المصارف مصارف بالمعنى القانوني ولا بالمحتوى العملاني والعملي اذ ان الانهيار الهيكلي للنظام المصرفي في لبنان قد افقده صيرورته كونه منصة مصرفية شاملة تقبل الودائع والقروض وتلبي حاجات زبائنها وطلباتهم وتضطلع بدور اساسي في النمو الاقتصادي وكل هذا بالتزام اكيد بالقوانين والنظم والسبل التي ترعى ادارة المصارف المالية بكافة مكوناتها وتفاصيلها وسلبياتها .
من هذا الواقع ان علاقة المصارف في لبنان بالمصارف المراسلة تنحصر بمجملها بتأكيد الاعتمادات المستندية التي يعرفها المصرف المعني واعلام المستفيدين من هذه الاعتمادات الاستيفائية وفي هذا السياق على المصرف في لبنان ان يعرف عميله جيدا من خلال المعلومات التي يحفظها عنده والتي يتم التحقق منها مباشرة .
هنا تقع مسؤولية الامتثال كاملة على عاتق المصرف المعني، فعليه ان يتأكد ان اسم المستفيد لا يرد على اي لائحة من لوائح مراجعة الامتثال ويتم على الارجح تحقيق لاحق في هذا الخصوص من قبل هيئة مكافحة تبييض الاموال من فترة الى فترة وعلى المصرف ايضا التدقيق في عدم ادراج المستفيد من الاعتماد المستندي على لوائح مجموعة العمل المالي او اي لوائح او مواقع سوداء اخرى.
من هذا المنطلق ومن الواقع فان تمويل الاعتمادات المستندية والاغلبية الساحقة من بقية العمليات المصرفية التي يقوم بها المصرف بما في ذلك بطاقات الدفع في الداخل والخارج تتم بواسطة الفريش كاش والمصدر الاساسي لهذا النقد وكذلك العمليات المصرفية في الوقت الحاضر هو سوق النقد السوداء والتي هي بحد ذاتها منظمة ومحمية. وهذا برأي مصدر خطورة مطلقة لمؤسسات الامتثال في مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب .
وطرح سروع السؤال: هل من المؤكد ان تقطع المصارف المراسلة علاقتها مع المصارف اللبنانية ؟
فيرد بالقول: برأيي هناك علاقة جيدة تاريخية بين المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة وفي حال وضع لبنان على اللائحة الرمادية هل ستعلق المصارف المراسلة معاملاتها مع مثيلاتها في لبنان، ام سيتم حصر في العمليات المصرفية بحدود وسط وبشروط واضحة؟ عمليا علينا ننتظر قرار فاتف بخصوص هذا الموضوع لكي نبني على الشيء مقتضاه ولكن في حال حدوثه سيشكل صعوبة اساسية على القطاع المصرفي اللبناني ومن الممكن جدا وقد يكون من الاعتبارات التي يمكن ان تكون في مصلحة عدم ادراج لبنان على اللائحة الرمادية هو النمو في الاقتصاد النقدي والسوق غير المنضبطة .
اما من منظور اخر ومقلق برأيي ويحمل في طياته خطوة حقيقية وغير مسبوقة لبنانيا وحتى عالميا هل سينطبق وضع لبنان على اللائحة الرمادية مصرف لبنان ايضا خصوصا في غياب الجدية في القيام بالاصلاحات المطلوبة وهذا اكبر قلق وانتظاره مزعج ويجب ان يتخذ هذا القرار في الحسبان من دون اعلانه والعمل على تلافيه .
ويضيف سروع: في هذا الوقت وبغض النظر عن وضع لبنان على اللائحة الرمادية او عدمه، فان التعليل سيكون عند المتلقي من اصحاب العلاقة المباشرة وغير المباشرة وسيكون دقيقا وشاملا يفند مخاطر السوق الحقيقية داخل النظام المالي اللبناني وخارجه وعدم المحاسبة الجدية والشفافية والعقاب، مما قد يدعو بعض العاملين الماليين والمصرفين مع لبنان الى تقنين معاملاتهم او يتبعون عامل ادارة المخاطر .
هذا بالاضافة الى تعميق مشكلة اعادة احياء الثقة في لبنان المالي والاداري وفي رأيي فان الاغلبية العظمى من المنظومة الحاكمة باتت اليوم خارج المتناول والكفاية والكفاءة والثقافة والخبرة وهي التي اوصلت البلد الى نفق مظلم ينير بعض جوانبه القطاع الخاص.
الجدير ذكره ان لبنان ليس وحده في المنطقة على صعيد وضعه على اللائحة الرمادية بل هناك الامارات العربية التي ادرجت منذ سنتين ثم خرجت وقد تحدى الاتحاد الاوروبي عبر قرار معلل والامم المتحدة فاتف وانه قد يكون وراءها عامل سياسي مما يؤثر بجدية هذه المجموعة.
في المرتين الماضيتين اعطي لبنان فرصتين لواقعه الاستثنائي ولا اعتقد لا توجد امكانية لفرصة ثالثة الا بمحتوى سياسي معين انما التعليل على الادراج او عدمه سيكون بموازاة الادراج ان لم يكن اقسى .
وذكرت مصادر اخرى ان تخفيض تصنيف لبنان ودخوله المنطقة الرمادية يعني المزيد من العزلة المالية والمصرفية وتضييق الخناق على المعاملات المالية والمصرفية التي تتم خصوصا مع المصارف المراسلة وعلى الرغم من التحذيرات الدولية التي كانت تثار خلال الاجتماعات التي تعقدها الوفود الاجنبية مع المسؤولين اللبنانيين واخر هذه التحذيرات جاءت خلال زيارة نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون آسيا والشرق الأوسط جيسي بيكر، خلال شهر آذار الماضي، من تعاظم الاقتصاد النقدي وتأثيره السلبي في الرقابة المالية والمصرفية المفروض ان تكون .
وقد اصدر مصرف لبنان بيانا ذكر فيه انه يعمل ومنذ فترة، من اجل اعادة تشجيع استعمال وسائل الدفع الالكترونية، وتخفيف استعمال الدفع النقدي (الكاش) في السوق اللبنانية، وذلك بالتوافق مع المعايير الدولية لا سيما تلك المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال ومكافحة تمويل الارهاب
الجدير ذكره ان تعاظم الاقتصاد النقدي سببه الازمة المالية والمصرفية التي يعيشها لبنان وعدم تطبيق الاصلاحات التي ينادي بها صندوق النقد الدولي مثل اعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يعيش اليوم في ضياع كلي بسبب عدم اقرار هذه الهيكلة ومعرفة مصير القطاع برمته رغم ان حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري كان واضحا بهذا الخصوص عندما اكد على ضرورة تفعيل هذا القطاع لانه ضرورة للاقتصاد الوطني .ووضع خطة تنفيذية لمكافحة تبييض الاموال والارهاب .
وقد تنامى الاقتصاد النقدي في ضوء ازمة السيولة التي يعانيها القطاع المصرفي وغياب الرقابة لضبط عمليات تبييض الاموال وقد وصل حجم هذا الاقتصاد الى حوالى ال٥٠ في المئة .