عاش لبنان مؤخراً على وقع الحراك الديبلوماسي الأميركي والفرنسي والمصري بزيارة الموفدين آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه ثم وزير الخارجية المصرية بدر عبد العاطي، والذي تزامن مع مفاوضات الدوحة، دلّ على تفعيل عمل اللجنة الخماسية كون الدول الثلاث أعضاء فيها، وإن اختلفت أسباب وأهداف وأولويات هذا التحرك الثلاثي من الدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية وحصر المواجهات العسكرية في الجنوب ومنع توسّعها، الى الدفع نحو حثّ إيران وحزب الله على عدم الرد على اغتيال الكيان الإسرائيلي للشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر في طهران والضاحية الجنوبية.
وحسب المعلومات لم يحمل الوسطاء الثلاثة سوى الكثير من التمنيات بتلافي التصعيد حتى تمرّ مفاوضات غزة على خير بحيث لا يعرقل الرد المرتقب إجرائها، وعلى رغم بعض التسريبات التي تحدثت عن إشارة هوكشتاين في لقائه مع رئيس المجلس نبيه بري الى «وجود القطع البحرية العسكرية الأميركية في البحر المتوسط قبالة سواحل فلسطين المحتلة وتمنّيه أن لا نضطر الى استخدامها»، فإن ذلك لم يغيّر شيئاً في طبيعة الموقف اللبناني، لا مع هوكشتاين ولا مع الموفدين الفرنسي والمصري، وجوهره ضرورة ممارسة الضغط الكافي على كيان الاحتلال الإسرائيلي لوقف حرب الإبادة المجنونة التي ينفذها في غزة ووقف اعتداءاته على المدنيين في جنوب لبنان.
وما لم يحصل رد إيران وحزب الله المتوقع، لا يمكن التكهن بمسار المرحلة المقبلة حيث تتبيّن من طبيعة الرد وحجمه وأهدافه كيف ستتحوّل المواجهة، بغض النظر عمّا ستسفر عنه مفاوضات الدوحة أو القاهرة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات الى مئات آلاف المواطنين المحاصرين بالقصف والغارات. علماً ان صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلت عن «مسؤولين أميركيين وإيرانيين وإسرائيليين أن إيران وافقت على تأجيل ردّها على إغتيال إسماعيل هنية على أراضيها والذي كان مُقرّراً ضد إسرائيل وذلك بهدف منح الوسطاء الوقت الكافي للقيام بدفعة حاسمة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لإنهاء الحرب في غزة».
ثمة عامل واحد لم ينجم عن نتيجة الحراك العربي والدولي وهو فصل المقاومة في لبنان مواجهات إسناد غزة من جبهة الجنوب عن الرد على اغتيال الشهيدين، بل نجم عن قرار لدى المقاومة بالفصل لحين تحديد طبيعة الرد، فواصلت المقاومة عملياتها التقليدية وردودها المتناسبة مع حجم كل عدوان على قرى الجنوب أو اغتيال أو سقوط شهداء وجرحى مدنيين، بحيث باتت تضيف مستعمرات جديدة على لائحة اهدافها أو تتوغل في قصف مستعمرات أو قواعد وثكنات ومقار قيادية عسكرية عمق الكيان الإسرائيلي عند كل عدوان يستهدف المدنيين.
وبحسب مصادر رسمية متابعة، هذه التطورات التي شهدتها المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة، سواء بالتصعيد العسكري أو استئناف مفاوضات الهدنة المؤقتة في غزة، جعلت الاستحقاق الرئاسي مؤجلاً الى إشعار آخر غير مسمّى، قد يطول الى ما بعد انتهاء المفاوضات – إذا نجحت – وبدء تطبيق ما يتم الاتفاق عليه في المرحلة الأولى تبعاً لإلتزام الكيان المحتل وعدم تنصّله منه. وهدنة الشهر ونصف الشهر المطروحة، تعني، إذا تم تنفيذها، وقف إطلاق النار مؤقتاً أيضاً في جبهة الجنوب، لكن تكون قد اقتربت الانتخابات الرئاسية الأميركية أوائل تشرين الثاني المقبل، والتي قد تجمّد البحث في أمور الشرق الأوسط كلها لحين ظهور نتائج الانتخابات ومعرفة توجهات الإدارة الأميركية الجديدة التي تتسلّم مهامها مطلع العام 2025، وعلى هذا كل شيء معلّق على ما ستسفر عنه مفاوضات الدوحة ومن ثم الانتخابات الرئاسية الأميركية، وعلى هذا قد يدخل لبنان اما في ربيع هادئ واما متفجّر مجدداً.
ومع ذلك ثمة من يعتقد ان هذه المهلة المتاحة بين استكمال المفاوضات بين الدوحة والقاهرة وبين بدء تنفيذها وتبيان جديّة الالتزام بها، ستكون فرصة للتحضير لإنجاز الترتيبات المتعلقة بتثبيت الحدود االبرية اللبنانية مع فلسطين المحتلة وزيادة عديد الجيش اللبناني في مناطق الجنوب بعد قرار الحكومة تطويع نحو 1800 عسكري جديد، وبعد أن يكون قد تم تمديد ولاية قوات اليونيفيل جنوبي نهر الليطاني لمدة سنة كما هو مقرر نهاية شهر آب الحالي، ومن دون تعديلات جوهرية تُذكر على قرار التمديد الذي تم اتخاذه السنة الماضية في مجلس الأمن الدولي، برغم المعلومات المتداولة عن رغبة أميركية بدفع إسرائيلي لتعديله بما يتناسب مع مطالب إسرائيل، لكن لبنان رفض أي تعديل وبدعم فرنسي.
المصدر – اللواء