يتقصد السائقون العموميون الاستحكام برقاب اللبنانيين من خلال تعريفات خيالية تتغير بين ساعة وأخرى، ما دفع بالكثيرين الى اقصاء أنفسهم للتوقف عن الذهاب الى أشغالهم ووظائفهم مستسلمين لبطش وتعنُّت الجبارين، والدولة مخدّرة لا علم لها بما يحدث ولا من يعلمون. في الوقت الذي يجب ان تكون حاضرة أكثر من أي وقت مضى على الأرض بكل جهوزيتها لتقوم بدورها الذي يتجسّد في ضبط وتنظيم قطاع النقل ووضع تسعيرة منصفة ومقبولة من الجميع وللجميع. كما وتعمل على الحد من العاملين الأجانب الذين باتوا كثرة ويشكلون خطرا على القطاع بحد ذاته ويسعّرون كما يحلو لهم ضاربين عرض الحائط الدولة بكل أجهزتها.
فماذا ولو لمرة واحدة وضعت الدولة يدها على الجرح وسمّت الأمور بأسمائها، بحيث لطالما نتحدث عن ارتفاع سعر صرف الدولار وفقدان الليرة لقيمتها الشرائية او ازمة المحروقات والمصارف والخبز والقطاع التربوي وجديده أسعار الكتب التي تفوق أسعار الأقساط المدرسية وما الى ذلك. ولكن لم نسمّ أساس تكدّس المشاكل او البطالة الناتجة من اليد العاملة الأجنبية وهل يجرؤ أحدهم على القول ان المسوّغ الأساسي في أكثرية العقد القائمة في لبنان مصدره العاملون الأجانب!
بلد قائم على سوق سوداء
على مقلب آخر هذا القطاع بات عبارة عن مناقصة مفتوحة “شيك بلا رصيد” الكثير من الجنسيات غير اللبنانية أضحت تنافس اللبنانيين في رزقهم واسترزاقهم، لنشاهد السوري والفلسطيني والمصري كما الفلبيني والسريلانكي وغيرهم يعملون جنبنا الى جنب في قطاع النقل بشكل خاص.
واللافت، ان اغلب هؤلاء لا يملكون أوراقا ثبوتية او اقامتهم منتهية الصلاحية. بالإشارة الى ان القانون نص في أحد مواده على الاعمال التي يحق للأجنبي القيام بها، الا انه لا قانون ولا من يقوننون ولا تطبيق له ولا من يطبقون “فلتانة والسياسيين راعينها”.
لا يجوز ان يسابق الأجنبي المواطن اللبناني في كل القطاعات بلا استثناء، بحيث بتنا نرى الأجانب يعملون كمدربين في الصالات الرياضية، وعلى التاكسي والأتوبيسات 99% غير لبنانيين، وفي التعليم والحدادة والميكانيك، وفي الاعمال التجارية المختلفة حدّث ولا حرج، 40% من المحال في الحمرا ومار الياس وسوق الضاحية – شارع معوض لمالكين غير لبنانيين، وهؤلاء أوضاعهم غير مصححة أي ان أوراق دخولهم الى لبنان اما غير قانونية واما انتهت صلاحيتها، وما تجدر الإشارة اليه انهم يدفعون لجهات سياسية وحزبية نافذة لتغطيتهم وبقائهم في بلد لا قانون فيه ولا من يشرّعون او يلاحقون.
وما يجدر الدلالة اليه، ان معظم الأجانب يتقاضون معاشين واحدا من الأمم وواحدا من المهنة التي ينافسون اللبناني عليها ويعيشون أكثر من 10 افراد في غرفة واحدة ويأكلون من طبق واحد ويؤمنون أنفسهم أكثر من المواطنين الأصليين وإذا كان 90% من هؤلاء مخالفين للقانون وبلا إقامة شرعية ولا نغرّض إذا أشرنا الى ان اغلبية السرقات تحدث في لبنان من أجانب كما ان وزير الداخلية اشار في حديث منذ أيام عن وضع السجون اللبنانية لافتا الى ان عدد المساجين غير اللبنانيين أكبر من السجناء اللبنانيين. وهذا ان دلّ على شيء فبالتأكيد يرمز الى الإهمال في تطبيق القوانين المنصوص عليها.
كما انه بالحديث عن فلتان التسعيرة في قطاع النقل سببه هذه الضوضاء الحاصلة فهؤلاء لا يمكنهم ان يسجّلوا في النقابات او اقله غير منضمين اليها وبالتالي التصعيد في التسعيرة يقابله تصعيد آخر والمواطن يبقى هو الضحية.
والسؤال اين الدولة؟ وأين القانون؟
هذا ما قاله أحد المواطنين ويدعى سمير لـ “للديار “: كنت اعمل مدربا في احدى الصالات الرياضة، المالك قرر إعطائي بدلا شهريا 3000000 مليون ليرة والتي لا تكفي لأسبوع ذهابا وإيابا لارتفاع سعر صفيحة البنزين. في الوقت الذي اتى مدرب اجنبي ليتقاضى هذا الاجر ويقوم بأعمال خاصة بهدف تحقيق أرباح إضافية له في الوقت الذي كان يمنع علي لكيلا أحقق أرباحا خارجية. وأضاف: اردت ان اعمل “شوفر تاكسي”، فاستأجرت نمرة حمراء وبدأت اعمل منذ الصباح الباكر وحتى آخر الليل، والمضحك المبكي ان أكثر من نصف سائقي التاكسي، وإذا صح التعبير العاملين في قطاع النقل غير لبنانيين و”يطاحشوننا” على الركاب وعلى لقمة عيشنا، وعلى الهواء الذي نتنفسه.
اما ع. ج فيقول انا املك اتوبيساً واعمل على خط الحمرا الدورة 70% من “الشوفرية” هم أجانب وينافسوننا على الزبائن بأقل من القليل ليأخذوا الركاب ولا نقابة تلاحق او تتابع او تضبط هذا القطاع وتنظمه، وأضاف، على سبيل المثال انا كنت اتقاضى بدلا عن كل راكب 15000 ألف ليرة، الا ان أحد السائقين وهو أجنبي كسر السعر الامر الذي دفعني انا ومجموعة سائقين لرفع التسعيرة.
تسعيرة عشوائية نتيجة عدم المراقبة
ان سبب التفاوت في التسعيرة بين سائق وآخر مردّه الى فلتان وتأزُّم الأوضاع الاقتصادية، والواقع في الحقيقة هذا العذر ليس صحيحا وليس الا انعكاسا للاستحكام برقاب العباد. والصحيح السائق الذي يدفع بدل صفيحة البنزين 600 ألف قادر على تعويضها في اقل من نصف ساعة.
كيف؟ هذا السائق يتقاضى من المواطن الذي يتكهن انه لبناني بدلاً 50 ألف ليرة اقلّه، فيقله من محيط مصرف لبنان وحتى شارع السادات، وهذا السائق نفسه ينقل مواطنة من التابعية الفليبينية بـ 20 او 30 ألفا من الصياد وحتى ساحة ساسين بحسب الركاب “بتوفّي” مع السائق وهذا ان دل على شيء فيدل على استغلال اللبنانيين.
اليكم بعض التسعيرات التي حصلت عليها “الديار” بحسب السائقين العاملين على الخطوط:
من مستديرة الصياد وحتى العدلية 70 ألفا من الزلقا وحتى جل الديب 50 ألفا، الاتوبيسات الكبيرة التي تسع لأكثر من 40 راكبا فتح الباب واغلاقه بـ 30 ألفا حتى وان لم تجلس، من الدورة وحتى عمارة شلهوب 50 ألفا، من الكولا وحتى طرابلس 100 ألف وبعضهم 150 هذه الأرقام لم تعد ذا قيمة الا انه ما يجدر الالتفات اليه ان معاشات اغلبية اللبنانيين ما زالت دون الـ مليونين ليرة لبنانية وبعضهم معاشه ما زال 675 ألف ليرة ارحموا الناس ليرحمكم الله.
القطاع مقسوم ام منقسم!
“الديار” حملت مجموعة تساؤلات من المواطنين الى رئيس اتحادات ونقابات النقل البري في لبنان الحاج بسام طليس عن هذا القطاع ومشاكله وطرق ضبطه ومراقبة التسعيرة، فاشار الى ان المشكلة في قطاع النقل العام ككافة القطاعات وعلى امتداد الوطن، ولفت الى ان هذا القطاع منذ 40 سنة يقوم مقام الدولة في ما يختص بالنقل العام. أضاف: للأسف حتى الان لا توجد خطة ترعاها الدولة اللبنانية في سبيل تنظيم هذا القطاع سواء على الخطوط او المواقف بما في ذلك شكل المركبة وتدريب السائقين “بالإشارة الى ان ما يفوق الـ 70% منهم غير لبنانيين” يعملون بشكل خاص على خطي رقم “2” و “5”. وأردف: التعرفة بالتكامل ما بين القطاعين “العام” و “الخاص” وأعني النقل المشترك كما يطلق عليه في دول العالم العربية والأجنبية.
ولفت طليس الى ان قطاع النقل ينقسم الى قسمين هما النقل العام والخاص، والمتعارف عليه بحسب طليس عالميا ان قطاع النقل العام من 85% الى 90% ويكون تحت إدارة واشراف الدولة والـ 10% الباقية هي تكون تحت رعاية وتنظيم القطاع الخاص. ولفت الى انه في لبنان 95% هو قطاع خاص ولكن بدون رعاية الدولة. وغمز بالقول: نحن كنقابات نعمل على القيام بواجبنا لجهة التنظيم والكدح والاجتهاد ولكن ليس لنا قدرة على فرض تطبيق القانون ملمحاً الى ان تطبيقه محصور بالوزارات والادارات والأجهزة الأمنية المعنية ولا صلاحية او سلطة او دور لهم في هذا الإطار. وأضاف طليس، قوى الامن الداخلي والشرطة لا تأخذ اوامرها وتنفذ التعليمات بناء لطلبنا بل من الرؤساء والجهات المنوطة بها.
الدولة تخالف
واشار طليس الى وجود مخالفات كبيرة من قبل الدول قبل ان تكون من السائقين مشيرا الى الفلتان الحاصل في قطاع النقل لجهة عمل السيارات الخصوصية ك BOLT والتوك توك الذي غزى السوق اللبنانية قرىً ومدنا، أضف الى استخدام الدراجات النارية في قطاع النقل كتاكسي سريعة. واستكمل، هؤلاء سيارات غير مرخصة ومؤهلة للعمل في قطاع النقل ويحملون لوحات بيضاء وبالتالي ينافسون السيارات ذات اللوحات الحمراء والمخصصة للعمل في هذا القطاع بطريقة شرعية.
اما عن فلتان التسعيرات أوجز طليس مبررا بالقول: بعد ان كانت صفيحة البنزين بـ 40 ألف والتعرفة آنذاك بـ 4000 الاف، اليوم تغير الوضع بعد ان أصبحت صفيحة البنزين بـ 600 ألف فلا يمكن للسائق ان يتقاضى من الراكب 4000 او 10000 او 20000 ألف في غياب البديل.
خطة متكاملة الا انها لم تبصر النور
أكمل طليس بالإشارة الى وضع خطة متكاملة مؤلفة من 6 بنود تقدّم بها الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليوافق عليها الأخير في اجتماع مشترك ضم كل من وزراء الاشغال والداخلية والمالية وبوجود عدد من الزملاء وبحضور رئيس الاتحاد العمالي العام السيد بشارة الأسمر وتم الإعلان عن الاتفاق على ان يصار المباشرة بإنفاذه في 01/12/2021 للخروج بتعرفة تكون كدعم للسائقين على الشكل التالي: 10 الاف للسيارة، 5000 الاف للباص، و4000 الاف للأتوبيس الكبير الا انه وحتى اليوم لم ينفذ وما زال معلقا الى ما لا نهاية. وما لا نهاية له هو التسعيرة المشيطنة من قبل السائقين، وفوضى القطاع لجهة العاملين الأجانب “وما رح ياكلها الا المواطن”! والسؤال متى يصار الى وضع هذا البلد تحت حكم وسقف القانون والأعراف الأساسية الدولية دون مباغتة.