اتخذ الاستنفار الدولي والاقليمي لمعالجة الصراع الفسطيني- الاسرائيلي، بعده العملي الاول مع استجابة طرفي النزاع بنسبة عالية لموجبات الهدنة الاولى منذ عملية طوفان الاقصى في 7 تشرين الاول الماضي، وسط آمال بأن تتمتع بالمناعة السياسية الكافية التي تؤهلها لأن تصبح في وقت غير بعيد تسوية كبرى تضع حدا للنزف الدموي المزمن، لا مجرد هدنة عابرة ذات أفق اقليمي هش، وهو ما لا توحي به المعطيات المُسربة من قطر، معقل التسويات وارض المفاوضات الاقليمية والدولية، اذ تتحدث مصادر اعلامية اميركية عن احتمال تمديد المدة، التي تأتي في ايامها الاولى مثابة جس نبض، الى عشرة ايام، تهدأ في خلالها الالة العسكرية لمصلحة التقاط الانفاس والحوار.
هدوء غزة رست مفاعيله على الجبهة اللبنانية الجنوبية مشكلة فرصة لالتقاط اهلها انفاسهم، بعد يومين صاخبين وداميين، عاشتهما قرى القطاعين الغربي والاوسط، لتبدا بذلك عملية تقويم دقيقة لمسار العمليات العسكرية على مدار 47 يوما، بين العسكر،ليتكشف معها مدى اهمية الجبهة اللبنانية وما حققته من خسائر فادحة، في المواقع والمنشآت والتموضعات، نتيجة المواجهات الصاروخية المباشرة والقصف بالصواريخ والمسيرات والأسلحة المتوسطة، على المديين القصير والمتوسط،في صفوف الجبهة الشمالية.
ووفقا لمصادر واكبت العمليات العسكرية، سبب اشغال الجبهة الشمالية تداعيات كبيرة على معادلات الردع التي حاول الجيش الاسرائيلي تثبيتها منذ ما بعد حرب تموز 2006 والقرار 1701، واستطرادا على أمن مستوطنيه واستعدادهم للبقاء في المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان، إضافة إلى الضغط السياسي والعسكري الهائل .
امور ظهرت في تقييم حجم الإنجاز الميداني والاستراتيجي،اذ وفقا لاحصاءات الجناح العسكري لحزب الله،تبينت المعطيات التالية:
– بلغت حصيلة الخسائر البشرية خلال 45 يوماً من العمليات 354 جندياً إسرائيلياً بين قتيل وجريح.
– استهداف اربعين موقعا عسكريا، و15 نقطة عسكرية، على طول الخط من مزارع شبعا الى الناقورة عند البحر، بـ275 عملية عسكرية، شكل استخدام صواريخ كورنيت المضادة للدروع عمودها الفقري، قبل دخول “بركان” المعركة.
– تدمير 21 آلية مدرعة بالكامل، نسبة كبيرة منها دبابات ميركافا، فضلا عن آليات نقل جنود، ويعود سبب تدمير المدرعات بالكامل، الى ابتكار مهندسي حزب الله وتطويرهم لمنظومة الكورنيت، التي باتت في كل اطلاق تستخدم صاروخين بالتوالي،ما يؤدي الى احداث اختراق في الجسم المدرع وتدميره بدل اعطابه فقط.
– قصف خمس مستوطنات، ردا على استهداف المدنيين، ما ادى الى اخلاء ، 70000 مستوطن ، موزعين على 43 مستوطنة.
– استهداف أجهزة الرصد والاستخبارات على طول الجبهة الشمالية، ما أعاد سلاح الاستخبارات في الشمال إلى العصر الحجري، وفقا للمحللين الاسرائيليين، اذ طالما اعتمد الجيش الاسرائيلي، على هذه المنظومات للمحافظة على رصد دائم ومبكر للجبهة الأمامية ، في حالتي الهدنة والحرب، حيث كانت هذه المنظومات تلعب دوراً أساسياً في تحديد وتوزيع انتشار القوى، وتصنيف النقاط الحدودية بين مناطق خطرة واقل خطورة، بهدف تقليل الخسائر في أي مواجهة قد تحصل، بالإضافة إلى مراقبة المناطق الحدودية والإشراف عليها،حيث سجل على هذا الصعيد ، تدمير 170 كاميرا مختلفة للرصد البصري مزروعة على الحدود، و47 راداراً من أحجام ووظائف مختلفة، و77 منظومة اتصالات، و21 نظام تشويش، بالإضافة إلى 35 منظومة استخبارات وأجهزة كهروبصرية متقدمة.
– محاولة العدو تعويض النقص الناتج عن هذه الخسائر الاستخباراتية ،دفعه الى الاعتماد على القدرات البشرية والمسيرات، ما أدى إلى استهداف العديد من قوات الرصد الإسرائيلية من قبل المقاومين، أبرزهم ضباط في جهاز الشاباك، كما أسقط حزب الله 3 مسيرات مختلفة في سماء لبنان.
– احداث ثغرات في نقاط مختلفة من السياج الحدودي، وفي الجدار الذي سبق وتم بناؤه.
– نجاح صواريخ ارض-جو، والغموض الذي خلقه الحزب حول امتلاكه منظومة دفاع جوي، سببا ارباكا لدى القيادة الاسرائيلية، دفعها الى التقليل من استخدام سلاح الجو، حتى ان الطوافات الهجومية التي شنت غارات ضد مواقع داخل الاراضي اللبنانية قامت باطلاق صواريخها من خلف الخط الازرق.
وتشير المصادر الى ان الاضرار التي اصابت المنظومة الاستخباراتية الاسرائيلية، دفعت بالقوات الاميركية الى الدخول مباشرة على الخط وتقديم العون اللازم وسد الثغرات، من خلال تزويد الجيش الاسرائيلي بالمعلومات اللازمة والضرورية للتحرك وتحديد الاهداف وقصفها.
عليه تنهي المصادر بالتاكيد ان حزب الله ادار معركته بحرفية عالية، مستفيدا من الخبرات القتالية التي راكمتها قواته خلال الحرب السورية، ومن دروس حرب تموز 2006، وهو حقق مجموعة من الاهداف القيمة والنوعية، التي تعطيه تقدما على الجبهة، وتكسبه وقتا في أي مواجهة مقبلة، في وقت يحتاج فيه الجيش الاسرائيلي الى فترة طويلة نسبيا لاعادة وضعه الى ما كان عليه عشية السابع من تشرين الاول على هذه الجبهة.