يستمرّ الجدل على الساحة السياسية الداخلية بعيداً عن تأمين التوافق حول التشاور أو الحوار، لإنهاء الشغور الرئاسي المستمرّ منذ سنة وتسعة أشهر. ويتحدّث سفراء “اللجنة الخماسية” في لبنان عن العودة الى تحرّكهم، لإعادة تحريك الملف الرئاسي انطلاقاً من مبادرة تكتّل “الاعتدال الوطني”، التي تنادي بالتشاور قبل الذهاب الى جلسات مفتوحة ودورات متتالية في مجلس النوّاب، من دون معرفة ما هو الجديد الذي سيقترحونه على القادة والأحزاب. وتُطلّ قوى المعارضة برأسها في ظلّ الجمود الرئاسي لتبرز ورقتها السياسية التي تستند الى الدستور اللبناني، بهدف تسهيل انتخاب الرئيس… ويُنتظر أن يتمّ الإعلان عن مضمون هذه الورقة التي لا تسمّيها قوى المعارضة “مبادرة”، على غرار المبادرات القائمة اليوم على الساحة السياسية، إنّما “خارطة طريق”. فما الذي يميّزها عن مبادرة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ومبادرة “الاعتدال الوطني”، و “اللجنة الخماسية”، ونائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب، ومبادرة النائب المستقل الدكتور غسّان سكاف وسواها؟!
تقول مصادر سياسية مطّلعة انّ قوى المعارضة (المتمثّلة بـ 31 نائباً من “القوّات اللبنانية”، و “الكتائب اللبنانية” و “تجدّد”، و “التغيير” و “تحالف التغيير” وبعض “المستقلّين”) توافقت على وضع “خارطة طريق”، سيتمّ الإعلان عن مضمونها ظهر اليوم الثلاثاء في مؤتمر صحافي يعقده ممثلون عنها في مجلس النوّاب… على أن يقوم بعد ذلك وفد نيابي ممثلاً المعارضة، بزيارة الى قصر الصنوبر (مقرّ السفارة الفرنسية) حيث سيلتقي سفراء “الخماسية” لتسليمهم نسخة عن هذه الورقة. الأمر الذي يشرح وجهة نظر هذه القوى للبنانيين أولاً، كما للدول الخمس ثانياً، والتي تتألف منها “اللجنة الخماسية” (أي الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، والسعودية وقطر ومصر) من الاستحقاق الرئاسي وما يمرّ به من تعطيل وجمود، وصولاً الى انتخاب رئيس الجمهورية وما يجب أن يتضمّنه العهد المرتقب. وستقوم قوى المعارضة فيما بعد بعرض ورقتها السياسية على الكتل النيابية الأخرى للاطلاع على موقفها منها.
وبرأي المصادر نفسها أنّه لا بدّ من إيجاد حلّ ما لإخراج لبنان من عنق الزجاجة، لأنه من دون رئيس الجمهورية، سيبقى البلد مجمّداً على جميع الصعد، ولن يتمكّن بالتالي من إحراز أي تقدّم بشكل فعلي، في ظلّ حكومة تصريف الأعمال الحالية. لهذا فإنّ التوافق لا بدّ وأن يشمل ليس فقط اسم رئيس الجمهورية المقبل، إنّما اسم رئيس الحكومة أيضاً وشكل حكومته المقبلة. كما تُعلن الورقة عن موقف المعارضة من التشاور الذي ليست ضدّه بالمطلق، على ألا يكون “حواراً رسمياً” ويصبح عرفاً يفرض نفسه قبل انتخاب أي رئيس مقبل للجمهورية. وتطرح خيارات عديدة لانتخاب الرئيس مع إمكان استبدال الأسماء، على غرار ما فعلت قوى المعارضة من خلال تخلّيها عن مرشّحها الأول النائب ميشال معوّض، و “تقاطعها” مع “التيّار الوطني الحرّ” على اسم وزير المال السابق جهاد أزعور.
علماً بأنّ “التيّار الوطني الحرّ” لا يزال يتحدث عن تقاطعه مع المعارضة على اسم مرشّحها أزعور، على ما نقلت المصادر ذاتها، ولم يقم بالتداول بثلاثة أسماء جديدة مع برّي، على ما قيل، إنّما لا يزال ينتظر موقف “الثنائي الشيعي” من ترشيح رئيس “تيّار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية. وإذا ما كان هناك من إمكان للتوافق بين المعارضة و “التيّار” و”الثنائي الشيعي” على أسماء معيّنة خلال التشاور. وقد كانت بكركي عرضت لائحة تضمّنت 11 اسماً في وقت سابق، لا يزال بالإمكان التداول بها إذا جرى التوافق على التشاور في مجلس النوّاب، وإن لم يؤدّ في نهاية الأمر الى اتفاق على اسم أو أكثر.
ويبدو أنّ أي اتفاق داخلي لن يحصل قبل التقارب المعلن في وجهات النظر، إن عن طريق مبادرة تكتّل “الاعتدال الوطني”، أو “خارطة الطريق” التي ستطرحها المعارضة اليوم. ويجد المراقبون السياسيون أنّ الدول الخمس تؤيّد تحرّك قوى المعارضة في الداخل، ما سيجعلها تؤيّد وتدعم ورقتها السياسية، على ما يتوقّعون. وإذا سارت الأمور نحو التشاور، مع إعطاء الكتل النيابية كافة الضمانات لعدم تعطيل جلسات الانتخاب المفتوحة والدورات المتتالية، فإنّ الأمور ستسلك عندئذ طريقها الى انتخاب الرئيس. أمّا إذا بقيت المعارضة على رفضها للتشاور، كون الدستور اللبناني لا ينصّ عليه، فإنّ الأمور ستبقى على حالها في ما يتعلّق بالجمود الرئاسي.
من هنا، يتحدّثون عن ضرورة حصول تسوية إقليمية دولية تنعكس على الوضع السياسي الداخلي. فإذا لم تتفق الولايات المتحدة وإيران، قبل اتفاق الدول الخمس بين بعضها بعضا، فإنّ رئيس الجمهورية في لبنان لن يُنتخب، حتى ولو تقدّم النوّاب بمئات المبادرات لانتخاب رئيس الجمهورية. كما أنّ وقف إطلاق النار في غزّة كما عند الجبهة الجنوبية، من شأنها تسريع البحث في انتخاب الرئيس بشكل أكثر جديّة بين الدول المعنية والأحزاب السياسية.