بدت مقاطعة “الثنائي الشيعي” للاستشارات النيابية غير الملزمة التي باشرها أمس الرئيس المكلف تاليف الحكومة الأولى في العهد الجديد نواف سلام أشبه بضرب من ضروب الازدواجية التي تلتصق بهذه البدعة من السياسات الاعتراضية. ذلك أن أي فريق سياسي داخلي، حتى من الجهات التي كانت ولا تزال متحالفة مع الثنائي “امل” و”حزب الله”، لم يسوغ له الزعم بعدم دستورية الاستشارات التي أدت إلى تكليف سلام بل إن هذا الزعم كشف مشكلة الثنائي نفسه في عدم قدرته على الاعتراف بالحقائق السياسية الداخلية والخارجية التي تواكب إقلاعة مرحلة جديدة كلياً في لبنان. ثم إن اللجوء إلى مقاطعة الاستشارات التي يجريها الرئيس المكلف وغداة بيانه في قصر بعبدا الذي أجمع المراقبون والقوى السياسية والكتل النيابية على أنه جسّد ذروة الانفتاح والحرص العميق على معالجة هواجس الثنائي ومدّ اليدين إليه للانضواء في ورشة الشراكة الإنقاذية الوطنية، إنما كان انزلاقاً سلبياً للغاية للثنائي مجدداً إلى نمط اتباع الوسائل التعطيلية دستورياً وسياسياً من دون التذكير بالوسائل الأمنية المسلحة التي اعتمدها “حزب الله” سابقاً. ولكن الفارق الكبير الذي بدا واضحاً أن على الثنائي أن يقرأه بتمعن شديد تمثل في فقدانه القدرة على التعطيل في ظل إقلاعة المرحلة المتغيرة وسقوط الأساليب السابقة، الأمر الذي يفترض أن يظهر بوضوح حين يشرع الثنائي نفسه في التحاور مع الرئيس المكلف بدءاً من يوم غد. إذ أن تمييز الثنائي بين مقاطعة الاستشارات غير الملزمة والتفاوض للمشاركة في الحكومة العتيدة يكشف أن صدمة التكليف لدى الثنائي دفعته إلى محاولة افتعال تذكير بشروط سيسعى إلى تحقيقها ولكن أياً تكن طبيعة هذه المناورة فهي لن تكون قادرة على تعطيل انطلاق قطار الحكم والحكومة الجديدين.
أما في ما يتصل بالمعالم العريضة الأساسية لليوم الأول من الاستشارات التي أجراها الرئيس المكلف نواف سلام مع النواب والكتل، فهي تختصر وفق استنتاجات النواب في توجه رئيس الحكومة المكلف نحو حكومة غير فضفاضة، يفضل أن تكون من الاختصاصيين من أصحاب الكفاءة والاختصاص في حقائبهم، على نحو يبعد كأس التجاذبات السياسية ويفتح المجال أمام تسريع عملية إطلاق عمل الحكومة وتنفيذ المشاريع والبرامج الإصلاحية المطلوبة منها. وفُهم أن الاتجاه يذهب أكثر نحو اعتماد مبدأ فصل السلطات، من خلال فصل النيابة عن الوزارة، وهذا أمر من شأنه أن يبعد الوجوه الاستفزازية أو الاحراج عن الحكومة، بحيث تأتي تسمية الوزراء من خارج الطقم السياسي القائم، من خلال وجوه جديدة تواكب المرحلة، وإن كان ثمة وجوه لن تكون جديدة كلياً عن المشهد السياسي، وإنما غير منخرطة بالعمل الحزبي.
وتشير المعطيات المجمعة من اليوم الأول إلى استبعاد أن يطول أمد التشكيل بهدف الافادة من الزخم الداخلي والخارجي الذي رافق مساري الانتخاب والتكليف، إذ أن العوامل المسرّعة لهذين المسارين سيكون لها دورها الضاغط في التشكيل من أجل إطلاق ورشة إعادة الإعمار، لأن لا مصلحة لأي فريق ولا سيما فريق الثنائي في التأخير.يلاقي خيار حكومة اختصاصيين وفق استشارات اليوم الأول قبولاً أو أقله عدم معارضة في ظل الأجواء السياسية الضاغطة من جهة، والتحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية من جهة أخرى.
وفيما غاب رئيس مجلس النواب نبيه بري عن افتتاح الاستشارات النيابية صباحاً، ولم يستقبل الرئيسَ المكلف لدى وصوله إلى مجلس النواب لإجراء الاستشارات غير الملزمة، لكن لعدم كسر الجرة مع سلام وتركِ الباب مفتوحاً امام احتمال العودة إلى المشاركة في الحكومة، قال بري في تصريح بعد ظهر أمس “سأستقبل الرئيس نواف سلام الجمعة”. وردًا على سؤال عما إذا سيكون هناك لقاء يجمع الرئيس سلام بكتلتي “أمل” و”حزب الله”، أجاب “هيدي فيها إنّ”. واعلن أنه “لم يحصل إتصال بيني وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون”. ورداً على سؤال عما إذا كانت مقاطعة جلسة الاستشارات هي رسائل للخارج قال: “لبنان بدو يمشي”.في المقابل، أبدت كل الكتل النيابية خلال الاستشارات مواقف مسهلة لمهمة التأليف ولم تفرض شروطاً أو تطالب بحقائب، وكان إجماع على رفض تهميش أي مكوّن، وعلى عدم تفسير “الميثاقية” بغير معناها الحقيقي، وعلى أولوية الإصلاح وتطبيق اتفاق وقف النار.
المصدر: النهار