بعد صدور قرارات قضائية جديدة في الاسبوع الماضي بحق بعض المصارف تعود المصارف الى الاضراب الثلاثاء المقبل وتعود معه المخاوف من تداعيات هذا الاضراب على الاقتصاد وعلى المواطنين والمودعين بشكل خاص والانعكاس الاكبر والاخطر هو على سعر صرف الدولار الذي تجاوز الـ ٩٠ الف ليرة فور اعلان جمعية المصارف الاضراب الا اذا نجح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في ثني الجمعية عن الاضراب بعد تسوية مشكلة احد المصارف مثل ما حدث مع فرنسبنك.
فهل سيتحمل لبنان واللبنانيون المزيد من الضربات ومتى ستنتهي هذه المعضلة والى متى سيبقى المواطن ضحية المناكفات السياسية والقضائية والنقدية والمصرفية.
في هذا الاطار اشار الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث للديار الى حجم المشكلة التي ضربت الواقع المالي اللبناني منذ ثلاث سنوات ونيف والذي أصاب مقتلاً القطاع المصرفي اللبناني ومن إداء المصارف طيلة هذه الفترة لافتاً انه بالرغم من التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان بشكل متكرر ومتغير لم تستطع المصارف أن تحافظ على إداء وعمل مستقر لا بل تفاقم حجم الصراع القائم بينها وبين باقي السلطات الممثلة بالسلطة السياسية والسلطة النقدية وليس أخيراً السلطة القضائية.
وكما يقول علامة فقد بات واضحاً للقاصي والداني أن الأمور تسير بطريقة مغايرة لمصلحة المصارف إن لم نقل أن هناك محاولة تحميلها وحيدة مسؤولية الإنهيار المالي الواقع وذلك بعد تنصل السلطة السياسية من مسؤولياتها حسب ما ظهر في مسودات خطط النهوض المالي معتبراً ان الأمور كانت تجنح دائماً لتصوير الأمر وكأن الدولة عاجزة عن المشاركة في تحمل المسؤولية المالية ولا تمتلك أي إمكانات تستطيع من خلالها المشاركة في تحمل جزء من الخسائر وأن مسؤولية الفجوة المالية يجب أن تتحملها المصارف ومصرف لبنان وايحاءً وبطريقة المواربة المودعين بعد تقديم أفكار عدة تتعلق بتصنيفات للمودعين ما بين كبار وصغار ، ودائع مؤهلة وغير مؤهلة ، ودائع شرعية وغير شرعية.
ويضيف علامة هذا كله كان يحصل وجمعيات المودعين وصرخاتهم تتحرك بطريقة غير طبيعية باتجاه المصارف وتطلب بأن يتم إقفالها ومنعها من العمل و ترافقت هذه التحركات مع تحركات قضائية موجهة ذات خلفيتين مختلفتين:
الخلفية الاولى من قبل مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون وإدعاءاتها على بعض المصارف ورؤساء مجلس ادارتها وحجزها على موجودات البعض منها وأكثرها غرابة حجز داتا أحد فروع المصارف بطريقة تخالف العقل والمنطق والعلم حيث من الطبيعي لكل متعاطي بأمور المعلوماتية ونظم المعلومات أن يستغرب ويستهجن أن يقدم جهاز قضائي على حجز داتا مع معرفته بعدم إمكانية حصول هذا الامر علمياً.
أما الخلفية الثانية يتابع علامة فهي قرارات قضائية متفرقة واستنسابية تلزم مصارف معينة بإعادة ودائع لمودعين بواسطة العملة الاجنبية ونقداً في وقت بعض القرارات القضائية تلزم المصارف بقبض أموالها المستحقة من القروض والتسليفات بالليرة اللبنانية وبسعر 1500 ليرة للدولار الواحد.
مشيراً ان هذه الأمور بدت للقطاع المصرفي ولجمعية المصارف وكأنه محاولة لتحميلها المسؤولية كاملة عن الخسائر المالية كلها وعن الخلل المالي والنقدي الذي ضرب لبنان منذ سنوات ثلاث أو أكثر، لذلك أعلنت المصارف في خطوة أولى منذ أسبوعين الاضراب في كافة فروعها العاملة في لبنان مما ادى الى تفاقم الوضع المالي وتدهور سعر الصرف بشكل غير مسبوق ووصل الامر الى حد تهديد السلم الإجتماعي والإقتصادي للبلد.
واذ اشار الى ان تدخل رئيس حكومة تصريف الاعمال الذي دخل في وساطة بين المصارف والسلطة القضائية كان نتيجته اتخاذ المصارف القرار بوقف الاضراب ومعاودة فتح فروعها لقاء تعهد من قبل رئيس الحكومة وبعض المسؤولين بتوقف الملاحقات القضائية الاستنسابية التي تحصل ووقف التعديات التي تحصل على بعض فروع المصارف وعادت للعمل لتساهم في تهدئة الاسواق وتساهم ايضاً في تراجع سعر صرف الدولار بعد قرار مصرف لبنان بتعديل سعر الدولار عبر منصة صيرفة وتفعيل عملها أسف لأنه في خضم هذه الصورة فجأة يتخذ قرار قضائي جديد بحق أحد المصارف يلزم فيها المصرف وصاحبه بإعادة وديعة أحد المودعين بالعملة الاجنبية ونقداً مشيراً ان المصارف اعتبرت هذا الامر رسالة متجددة وتنصل للمسؤولين من تعهداتهم لتعود وتعلن الاضراب اعتباراً من الثلثاء المقبل.
ورأى علامة ان نتائج هذا الاضراب ستشكل ضرراً كبيراً جديداً سيصيب الاقتصاد الوطني حيث سيتوقف عمل منصة صيرفة حسب شروط مصرف لبنان وسيعجز المواطنون عن الحصول على المبالغ التي كانوا يحصلونها انطلاقاً من تطبيق التعميمين 151 و158 الصادرة عن مصرف لبنان والتي كانت المصارف ملتزمة بتطبيقهما .
متخوفاً من ان تتوقف عمليات المراسلة مع المصارف الخارجية مما سيعيق حركة الاستيراد الشرعية والكل يدرك أن 70 % من السلع والمنتجات في السوق اللبناني هي مستوردة من الخارج. وقد تدفع بأمور الاقتصاد أكثر الى الإقتصاد النقدي الذي بات مصدر قلق وشبهة فيما يتعلق بحسن سير الاعمال في النظام المالي اللبناني.
ووفق علامة ما يختلف هذه المرة في اضراب المصارف إن صراعاً جديداً ظهر الى العلن بين جمعية المصارف والسلطة النقدية في لبنان الممثلة بمصرف لبنان الذي اظهر في ميزانيته الاخيرة المنشورة أن مصرف لبنان قد أعاد كل أرصدة المصارف البالغة 86.5 مليار دولار والتي يبدو أنه أعادها بالليرات اللبنانية المطبوعة على سعر السوق وهذا الامر اعتبرته المصارف استهدافاً جديداً ومحاولة من السلطة النقدية للتنصل من مسؤولية الخسائر والفجوة المالية الواقعة وبذلك تصبح المصارف وحيدة في مواجهة مصيرها ومودعيها وودائها التي تبخرت بفعل غير معروف وبسحر مورس عليها .
وسأل هل القصد من هذه الامور دفع المصارف الى الهاوية لاعلان عدم قدرتها على الاستمرار وبالتالي إعلان افلاسها؟ او وضع المصارف في مواجهة المودعين بعد وضوح صورة عدم القدرة على اعادة اموال المودعين؟
أم القضاء نهائياً على ما تبقى من نظام مصرفي اعتبر في سنوات التسعينيات وبداية الالفية الثالثة انه مصدر قوة لبنان؟
وقال كلها اسئلة مشروعة ومنطقية والاكيد أن الكل ونؤكد ” الكل ” مشترك في جريمة نحر النظام المالي بدءاً من السلطة السياسية وتقاعسها عن اقرار القوانين والتشريعات الاصلاحية والانقاذية المطلوبة وصولاً الى السلطة القضائية واستنسابيتها في اصدار القرارات بحق المصارف وليس اخيراً السلطة النقدية التي تحاول انقاذ نفسها ودفع المصارف لتحمل المسؤولية لوحدها على قاعدة : ” ليس في الميدان سوى حديدان”.
فهل هذا السيناريو يكون مقدمة للارتطام الكبير الذي بات قاب قوسين أو أدنى.
Comments 1