لم يكن مفاجئا عزوف الرئيس نجيب ميقاتي خوض الانتخابات النيابية، فكل المؤشرات كانت توحي بهذا التوجه، لكن المفاجئ ان هذا القرار مر مرور الكرام دون اي حالة غضب او احتجاج في طرابلس، ربما لانه كان منتظرا هذا العزوف.
يبقى السؤال الابرز حول الساحة الطرابلسية، كيف تلقى الناس فيها خبر عزوف ميقاتي، الرجل الذي حصد رقما قياسيا في انتخابات ٢٠١٨ النيابية، وما هي التحولات التي طرأت فاظهرت مدى تململ المواطنين من اخبار المرشحين والعازفين؟
تكشف اوساط طرابلسية، ان ما عاشته مدينة طرابلس منذ عام ونصف العام من انهيار الليرة اللبنانية امام الدولار الاميركي، وارتفاع اسعار المواد الغذائية والبنزين والغاز والمازوت، وانقطاع التيار الكهربائي الذي شكل نكسة للمواطنين الذين اضطروا الى دفع الملايين للحصول على ساعات تغذية من مولدات الاشتراك. ما جرى كله شكل حالة غضب شعبية كبيرة تجاه كل اركان السلطة المسؤولة عن هذه الازمات، لذلك لم يلق عزوف ميقاتي اي حالة غضب كسلفه الرئيس الحريري، لان معظم الشرائح الشعبية تعيش هواجس لقمة العيش اليومية وهواجس اسعار المحروقات والدولار والكهرباء..
وكشفت اوساط متابعة ان عزوف ميقاتي له ابعاد اقليمية ومحلية: الاولى مرتبطة بعزوف الحريري، حيث يسعى ميقاتي الى الانسجام مع موقف الحريري وعدم استفزازه بترشح يستهدف ملء فراغ «المستقبل» ، وبعد تقديم عشرات «المستقبليين» استقالاتهم من التيار بهدف الترشح ، اضافة الى ان هناك معطيات يملكها ميقاتي تفيد عن عودة الحريري الى لبنان بعد الانتخابات النيابية، وان هذه العودة مشروطة بانه سيكون اقوى من السابق، لذلك يريد ميقاتي الحفاظ على هذه العلاقة.
اما بالنسبة للابعاد المحلية، فتكشف الاوساط ان اقفال ميقاتي لمكاتبه الخدماتية في جميع مناطق طرابلس ادى الى حالة من الغضب، خصوصا في هذه المرحلة الصعبة. وترك هذا الامر انطباعا لدى المقربين من ميقاتي انه سيكون له ابعاد خطيرة تظهر تداعياتها في صناديق الاقتراع، الامر الذي شجع ميقاتي على اعلان عزوفه دون تردد او ندم.
في المقابل، يجري التداول عن لقاء جمع الحريري بميقاتي يفيد عن عرض تلقاه الاخير من الحريري يحثه على دعم اللوائح الانتخابية في المناطق السنية والعمل على رص صفوفها بعد المعركة الانتخابية لتشكل تحالفا سياسيا يقوده ميقاتي مؤقتا الى حين عودة الحريري الى الحياة السياسية. وتكشف المصادر ان انعطاف الحريري باتجاه ميقاتي سيكون بمثابة انقلاب على الرئيس فؤاد السنيورة وسحب العباءة من تحته، حتى لا يستغل غياب الحريري عن الساحة السياسية لمصالحه ومآربه السياسية.
وكان ميقاتي وجه من دارته في طرابلس رسالة جاء فيها : «… أعلن عزوفي عن الترشح للانتخابات النيابية، متمنيا التوفيق للجميع، وسأدعم جهود من يختارهم الناس وأتعاون مع الجميع لما فيه المصلحة العامة. وفي هذا المناسبة، أجدد التأكيد أننا مستمرون في العمل حكوميا لمعالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، قدر ما تسمح الامكانات، ووضع بلدنا على سكة التعافي بمساعدة ودعم جميع أصدقاء لبنان وأشقائه، وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة. كما أجدد دعوة الجميع الى التعاون مع الحكومة لتمرير هذه المرحلة الصعبة على وطننا وأهلنا. والى اللبنانيين الصابرين أقول: نحن نعمل بكل ما أوتينا لتكون المرحلة الصعبة التي تسبق بدء التعافي قصيرة، وكلنا أمل وثقة بأن ما نقوم به سيوصل المعالجات الى سكة الحل قريبا».