التوحّد أو طيف التوحد، اضطراب يواجه الأشخاص المصابين به، ويشهد تعسّراً في تحسين العلاقات الاجتماعية واليومية، او استخدام اللغة على النحو الطبيعي، وقد يفتقد هؤلاء القدرة على استعمالها بشكل مطلق، لتتجلى بسلوكيات مكبّلة ومكررة، ويعانون صعوبة في التواصل مع محيطهم، من خلال تصرفات وانشطة محصورة واتباع أسلوب غليظ في حياتهم.
التوحد والاعاقة الذهنية
شُخِّصَ التوحد على انه طيف او امتداد للاختلال، تَتَنابَذ سماته من حيث القوة او الاعتدال بين مريض وآخر. ويؤكد نظام تصنيف اضطرابات طيف التوحد، انه ضمن إطار الطيف الشــامل للمرض، وقد صنف فيما مضى في 5 أنواع هي: متلازمة اسبرجر، التوحد التقليدي، متلازمة ريت، الاضطراب التحللي الطفولي واضطراب الارتقاء المنتشر. وما تجدر الإشارة اليه، ان هذه المصطلحات لم تعد قيد الاستخدام من قبل الأطباء، وبات يُطلق على جميع أنواعه اسم اضطرابات طيف التوحد AUTISM SPECTRUM DISORDER (ADS) باستثناء متلازمة «ريت» RETT SYNDROME، التي تعتبر حالة اختلال وراثي مميّز. بالإشارة الى ان اضطراب التوحد يختلف عن الإعاقة الذهنية، على الرغم من ان المصابين يعانون من الحالتين، والتي غالبا تتعلق بعوامل جينية وراثية لخفوق في التطور العصبي.
بالموازاة، أظهرت الاحصائيات، ان هذا الاختلاط يحدث بمعدل حالة واحدة لكل 59 شخصا، وتكون أكثر انتشارا عند الذكور بنسبة 4 اضعاف مما هو الحال عند الاناث.
ولفتت الدراسات الى ان العدد التقريبي للمرضى المصابين بمتلازمة التوحد قد تضــاعف، بسبب تعلم المتخصصين ومقدّمي الرعاية المزيد حول اكتشاف وملاحظة اعراضه، من خلال التوعية والارشادات لسلوك الافراد في المجتمع وداخل العائلة.
وفي هذا السياق، شرحت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس لـ «الديار»، «ان التوحد هو أحد الاضطرابات العصبية التي تؤثر سلبا في التواتر والتصرف نتيجة خلل في الخلايا العصبية في منطقة الدماغ المسؤولة عن عمليات الاتصال والاجتياز ويطلق عليه اسم طيف التوحد».
الأسباب
وتطرقت الى العوامل التي تؤدي دورا في الإصابة بهذا المرض ومنها، «ما يتصل بالوراثة والعوامل الجينية ولها دور كبير. وفي حال وجود طفل في العائلة مصاب بالتوحد، فإن خطر ولادة طفل آخر مصاب به يرتفع بنسبة 50 الى 100%».
وأضافت «هناك حوافز أخرى كالولادة المبكرة، عدوى او تسمم في الصغر جراء جرعات من دواء ما، غازات سامة او مشاكل صحية تعرض لها. وقد تكون الدافع الرئيسي للإصابة بهذه المتلازمة لتأثيرها السلبي المباشر في الدماغ وبالتالي أدت اليه».
ولفتت الى انه «من المؤكد ان طيف التوحد لا ينجم عن سوء رعاية الاهل، والعنف الاسري أو الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الطفولة او اللقاحات، ويكون للمصابين به فروق في كيفية تشكل دماغهم وقيامه بوظائفه».
مظاهر
وفصّلت يونس هذا الجانب بقولها: «تظهر اعراض التوحد في اول سنتين من حياة الطفل، ولكن المظاهر الطفيفة لا يمكن تمييزها حتى بلوغ الطفل مراحل متقدمة من العمر ، أي ثلاث سنوات وما فوق، وتتطور في المجالين الاتيين: من خلال انكماش التواصل والتفاعل الاجتماعي، والانماط السلوكية المقيدة والمتكررة، فمثلا قد نجد الطفل انه بدأ يفقد القدرة على التحدث من خلال نسيانه جملا معينة، او الانغلاق على نفسه».
واكدت «ان الأطفال المصابين لا يحبون اللمس، ونراهم يتجنبون ذلك ويخفون اظهار مشاعرهم او تلقيها من الطرف الاخر الى جانب الانزعاج من الأصوات المرتفعة، الضوء. اما الحركة الأبرز التي يقوم بها الطفل هي ايماء باليد بشكل متكرر وتلازمه دائما بشكل ملحوظ».
ولفتت «الى ان العلامات التي قد تدل على نقص في النمو يجب معاينتها ومتابعتها من قبل طبيب مختص عن طريق اجراء فحوصات نفسية لتقدير مستوى الحركة، النطق، التعبير، بما في ذلك السلوك وتحديد الحالة ما إذا كانت في النصاب الطبيعي او العكس، أي في طور التأخّر وهو ما قد يدفعنا الى معرفة المعضلة لتشخيص الحالة».
لا دواء يشفي
وفي سياق طبي متصل، جزمت الاختصاصية «ان المصاب بطيف التوحد لا يمكنه التعافي كون هذا الاضطراب دائما وليس له دواء علاجي نهائي. ولكن، يمكن مساعدة الطفل بتنميته واكتسابه لمهارات جديدة صحية ومفيدة وحتى جيدة خاصة الحياتية اليومية المستدامة».
وأشارت الى»3 درجات من طيف التوحد منها: الخفيف، المتوسط والشديد وقد تتضاعف مع زيادة حدة درجة التوحد. وهناك أطفال، العلاج المبكر ساعدهم على ممارسة مهمات معينة في حياتهم بشكل شبه طبيعي لجهة التفاعل والتحدث ولو بشكل أخف مقارنة مع آخرين تميزوا بالعدوانية ولديهم طابع سيئ لجهة أذية أنفسهم كلطم رأسهم بالحائط او الضرب والعض».
وشددت على انه «إذا لم نتدخل في الوقت الصحيح فمن الممكن ان تزيد درجة حدّة التوحد وصولا الى «العدوانية المفرطة» لدى المصاب. لذا على الاهل التيّقّظ لأطفالهم وتطورهم وسلوكهم عاطفيا، لغويا، وحركيا وجسديا لضبط الأمور قبل تفاقمها وفقدان السيطرة عليها».
الكشف
وعن تثمين وتقويم هذا المرض قالت يونس «يوجد تقييم سلوكي، لغوي، جسدي الى جانب بعض الاختبارات النفسية التي يقوم بها الطبيب المختص لتشخيص الحالة بدقة في مرحلة بداية المرض»، واكدت ان « الطفل يحتاج الى المساعدة من قبل فريق عمل متكامل، ومتعدد الاختصاصات من معالج نفسي وأعصاب ونطق، الى جانب بعض الادوية التي قد توصف من قبل الطبيب، وإذا استطاع الطفل الحصول على جميع نواحي العلاج يمكن تمكينه على تلبية احتياجاته ومتطلباته اليومية بمجهوده الشخصي كالاستحمام وحلاقة شعر الرأس. الى جانب المهارات اليومية كالالتزام بالمواعيد والكفاءة الوظيفية».
وشددت على ان «هذا العلاج يستخدم لتقليل السلوكيات التي قد تحُدّ من انمائهم وازدهارهم مثل «الضرر والاذى» فالعلاج التطبيقي يلبي احتياجات كل طفل ويكون بإشراف متخصصين معتمدين في التحليل السلوكي». وقالت: «علينا الا ننسى دور الاهل لتشجيع طفلهم المصاب بالتوحد على الحديث انطلاقا من انه يفهم حتى وان كان غير مؤهل لذلك، وحثه على التفاعل والا سينسحب الى عالم خاص خطر ويتقوقع داخله».
الدمج
وعن الدمج تطرقت يونس «الى ان الدراسات اثبتت ان دمج أطفال التوحد ساعدهم على اكتساب مهارات جديدة، وقدرة على التواصل والتفاعل الجيد مع المحيط وتجاوبهم كان لافتا ومثمرا». ونصحت «بعدم التعامل مع هؤلاء على انهم مختلفون او غير مدركين بالنظر إليهم كأنهم «مجانين» وناقصو عقل و «منبوذون» واقل فاعلية وقدرات عن غيرهم، بل على العكس يجب ان نعمل على تشجيعهم وتطوير مكتسباتهم، وهذا سيساعدهم على تنمية لغة الاتصال والتواصل مع الآخرين».