عندما خالف لبنان قاعدة الحياد في الازمة الروسية – الأوكرانية، حاولت بعض الأصوات التخفيف من حجم الموقف والقول أن روسيا ستتخطى البيان اللبناني وما تبعه من مواقف «رئاسية» أشادت به وأصرّت عليه، إلا أن الواقع لم يكن مطابقاً لهذا الرأي، فموسكو لم «تهضم» الموقف اللبناني، ولا التبريرات اللاحقة له.
على مستوى العلاقة الديبلوماسية بين لبنان وروسيا، يمكن الجزم بأن هذه الأزمة المستجدة وقعت لعدة أسباب، أبرزها أن الجانب الروسي مقتنع بأن الموقف اللبناني، وإن كان لا يملك أي تأثير على المستوى العالمي، إلا أنه جاء كانصياع للإرادة الاميركية بالتحديد، ومن خلفها الإرادة الأوروبية، وبالتالي اختار لبنان الانحياز الى طرف في هذه المعركة، وعليه تحمل تبعات قراره الذي أدى الى خلاف داخلي، تعلم تفاصيله موسكو.
في تقييم الجانب الروسي لما حصل، فإن التداعيات من الممكن أن تكون على مستوى العلاقة الثنائية مع بعض القوى السياسية، لا سيما تلك التي كانت معنية بهذا القرار أو كان من الممكن أن تمنع صدوره بهذا الشكل، وهنا توجه موسكو أصابع الإتهام إلى فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وفريق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بالرغم من أنهما حاولا التنصل من الموقف الرسمي، سواء من خلال الإتصالات التي قام بها باسيل مع الجانب الروسي أو من خلال إيفاد الرئيس عون مستشاره النائب أمل أبو زيد إلى موسكو.
من وجهة نظر مصادر متابعة، لا يمكن للرئيس عون وباسيل اللعب على الحبلين في العلاقة مع روسيا، خصوصاً أن الأخيرة تدرك جيداً تفاصيل ما تقوم به بعض القوى السياسية التي تريد بيع أوراق الإعتماد إلى الجانب الأميركي، وبالتالي هي ستأخذ هذا الأمر في عين الإعتبار في جميع الملفات التي قد يكون لها فيها كلمة مؤثرة في المستقبل، وتشير إلى أن المراهنين الذين راهنوا على الحصان الاميركي، لا الروسي، لم يأخذوا بعين الإعتبار أن الوجود الروسي في سوريا يعني أن روسيا بات لها حدوداً مشتركة مع لبنان.
خلق الموقف اللبناني من روسيا نزاعاً داخلياُ، بقي محدود التأثير العلني، إلا أنه باطنياً ليس كذلك، إذ أن الموقف أشعر مكوّن رئيسي في البلد بأنه مهمّش، ومُبعد عن المواقف المهمة التي ترسم السياسة الخارجية للدولة، مشددة على أن هذا الفريق يعتبر أن الموقف اللبناني يناقض إتفاق الطائف من خلال اختزال القرار الرسمي للدولة بأشخاص، دون أي اعتبار لمجلس الوزراء مجتمعاً. لكن السؤال المطروح، هل تتأثر علاقة حزب الله والتيار الوطني الحر بهذه الغيمة؟
على مستوى العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله، ينبغي التوقف عند زيادة عدد الملفات الخلافية بين الجانبين، التي تبدأ من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع «إسرائيل» ولا تنتهي عند بعض الخلافات المتعلقة بالإستحقاق الإنتخابي، وبالتالي الخلاف حول مقاربة الحرب في أوكرانيا هو من الملفات التي قد تؤثر على العلاقة بين الجانبين، بالرغم من أن الملف الأول قد يكون الأكثر تأثيراً، خصوصاً إذا ما قاد إلى وقف المفاوضات أو نسفها برمتها.
لا يريد حزب الله خلق نزاعات كبيرة مع الوطني الحر على أبواب الإنتخابات النيابية، إلا أن العارفين بطبيعة عمل الحزب وسياسته يجزمون بأن بعض الملفات لا يمكن السكوت عنها، لكن كما يبدو فإن الملف المتعلق بموقف لبنان من حرب روسيا في أوكرانيا، ليس أحدها، أقله إذا لم يتم تصعيد الموقف وبقي على ما هو عليه اليوم، وبالتالي فإن الاعتراض عليه سيبقى في إطاره المؤسساتي، أي داخل مجلس الوزراء.