يدرس اليوم مجلس الوزراء، طلباً من وزارة المال بشأن سعر صرف الدولار الذي يجب أن تعتمده الخزينة في تسجيل القيود المحاسبية للنفقات والواردات المتعلقة بالسنوات الماضية وللسنة الجارية والسنوات اللاحقة أيضاً. الطلب يقرّ بأن الوزارة ستعتمد بشكل رسمي عملة تُسمّى «الدولار المحلّي» وستسجل العمليات في قيود الخزينة على أساس سعر صرف له يختلف عن سعر صرف «الدولار النقدي».
وتقول إن سعر الدولار المحلّي الواحد قيمته 15 ألف ليرة اعتباراً من 1 شباط 2023 لغاية «صدور قرار جديد» من دون أن تحدّد الجهة التي ستصدر هذا القرار الجديد، ما يعيد إثارة إشكالية سعر «الدولار المحلّي» أو «الدولار المصرفي» أو الـ«لولار» الذي يُسجّل حالياً في ميزانيات المصارف بقيمة 89500 ليرة بينما تفرض المصارف على المودعين سحبه بسعر 15 ألف ليرة بلا أي سند قانوني. والمثير أيضاً، أن وزير المال يعرض هذا الملف على مجلس الوزراء «للعلم»، إذ إنه بدلاً من تطبيق القانون، يعرض خطّة بديلة على مجلس الوزراء تعيد اكتشاف «الدولار المحلّي» بما يضمن إثبات وتشريع تعدّدية سعر الصرف بذريعة تسجيل النفقات والإيرادات التي يفترض أنها سُجّلت في قيوده بتاريخ سعر الصرف الفعلي. لذا، يبدو أن ما يطرحه الوزير، هو تشريع الهيركات وإبراء ذمّة الحكومة ومصرف لبنان والمصارف عن كل «السعدنات» السابقة، والهروب من تقديم حلّ متكامل.كان وزير العمل السابق شربل نحاس، يردّد أن السلطة تتبع منهجية لتشريع المخالفة تقوم على تأسيس طوابق المخالفات، تطمر المخالفة الأولى والأكبر، فيتم تعديل أي قانون بمرسوم أو حتى بقرار وزير… المنهجية نفسها تُتّبع اليوم في تعامل أطراف السلطة مع تبعات الانهيار النقدية والمصرفية. ففيما عمد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة إلى إرساء تعدّدية أسعار الصرف، بتعاميم مختلفة صدرت عنه من دون أن تميّز بشكل مباشر بين «دولار نقدي» و«دولار محلي»، لاقته الحكومة ووزارة المال، بعد أشهر، إلى تطبيق سعر صرف للدولار الجمركي بمعزل عما ينصّ عليه قانون النقد والتسليف في مادتيه (2 و229) بشأن تحديد سعر الصرف القانوني.
لكن سرعان ما تحوّل الاتفاق على تحديد سعر صرف لجباية الرسوم الجمركية، إلى خلاف بشأن سعر صرف الودائع بالعملات الأجنبية «القديمة». كان سعر هذه الدولارات القديمة 1507.5 ليرات (مقابل الدولار الواحد)، ثم ارتفع إلى 3000 ليرة وبلغ 8000 ليرة ووصل أخيراً إلى 15000 ألف ليرة بموجب التعميم 151 الذي يحدّد «إجراءات استثنائية للسحوبات النقدية من الحسابات بالعملة الأجنبية» وبالمناسبة هو تعميم يتعلق بتأمين السيولة النقدية للمصارف، أي إنه يحدّد سعر صرف السحوبات بشكل موارب.
رغم ذلك، كان السعر يُسجّل في ميزانيات المصارف وفق ما يُسمّى «السعر الرسمي»، أي بقيمة 1507.5 ليرات مقابل الدولار الواحد، إلى أن قرّر مصرف لبنان في 2 شباط 2024 إصدار التعميم 167 الذي يفرض على المصارف تسجيله وفق سعر المنصة الإلكترونية، أي بقيمة 89500 ليرة لكل دولار. إلا أن المصارف، بدورها، ميّزت بين سعر التسجيل في الميزانية، وسعر السحب من الوديعة، واعتبرت أن سعر السحب قائم وفق التعميم 151 وأن سعر التسجيل قائم وفق التعميم 167! المصيبة، أن وزارة المال تقول الآن، إن لديها عمليات منفّذة في السنوات الماضية، وعمليات ستُنفّذ في السنوات اللاحقة، تحتاج إلى تحديد سعر صرف يميّز بين «الدولار النقدي» و«الدولار المحلّي».
في الواقع، لم يحاسب أحد المصارف، ولم يحاسب أحد مصرف لبنان، ولم يحاسب أحد الحكومة، فانتقل النقاش من الآلية القانونية لتحديد سعر الصرف المنصوص عنه في قانون النقد والتسليف، والتي بدورها تفرض الانتقال إلى توزيع الخسائر وإعادة هيكلة القطاع المالي في لبنان، إلى نقاش بشأن الجهة التي تحدّد سعر الصرف، بمعزل عن النص القانوني!
في هذا السياق يأتي العرض الذي رفعه وزير المال يوسف الخليل على مجلس الوزراء، والذي يتضمن جدولاً زمنياً لأسعار الصرف المعتمدة. ألغى الخليل ما يُسمّى «السعر الرسمي» واعتمد «الدولار النقدي» إلى جانب «الدولار المحلّي»، وبرّر ذلك بأنه «تَركَّز في السوق النقدية اللبنانية مفهوم الدولار النقدي والدولار المحلّي (لولار)، وأنه يتوجب تحديد سعر صرف الدولار الأميركي النقدي والمحلي (لولار) من أجل تسجيل القيود المحاسبية لحسابات الخزينة بالدولار الأميركي».
وهدف الوزير، كما يقول في الكتاب المحال إلى مجلس الوزراء، أنه يتوجب «تقييم الإيرادات وقيمة النفقات المنفّذة»، مقترحاً أن يُعتمد لعامي 2020 و2021 وأول سبعة أشهر من عام 2022 تسجيل النفقات والإيرادات الحاصلة بالدولار على سعر صرف يبلغ 1507.5 ليرات، وبعدها يُفصل بين الدولار النقدي والدولار المحلّي. فمن مطلع آب 2022 ولغاية نهاية كانون الثاني 2023 سيُعتمد سعر صيرفة للدولار النقدي و1507.5 ليرات للدولار المحلّي، ثم خلال الأشهر الـ11 الباقية من عام 2023 ولغاية 13 شباط 2024 سيُعتمد سعر صيرفة للدولار النقدي وسعر 15 ألف ليرة للدولار المحلي، واعتباراً من 14 شباط 2024 «إلى حين صدور قرار جديد» سيُعتمد سعر صرف 89500 ليرة للدولار النقدي و15 ألف ليرة للدولار المحلّي.
وبحسب مصادر وزارة المال، فإن هذا الاقتراح يقتصر على تسعير العمليات المنفّذة، إذ تقاضت المالية مبالغ بالشيكات المصرفية يجب تسجيلها بالدولار المحلّي في الحسابات العامة، كما دفعت لموردين ومقدمي خدمات وأشغال مبالغ بالدولار المحلّي، وسعر الصرف هذا لا يشمل تسجيل الدين وعمليات الدين. غير أن هذا التفسير لا يبرّر لجوء وزير المال إلى تعددية أسعار الصرف والانتقائية في تحديدها. فوزارة المال والحكومة ومجلس النواب اعتمدوا على المادة 35 من قانون الجمارك لتبرير رفع سعر الدولار الجمركي، باعتبار أنها تحدّد سعر تحويل البضائع المستوردة إذا كانت قيمتها «الواردة في الفاتورة محرّرة بعملة أجنبية» على أساس «معدل التحويل المعمول به بتاريخ تسجيل البيان التفصيلي والمستند إلى معدلات التحويل التي يحددها، شهرياً أو دورياً، مصرف لبنان». بهذا المعنى، أصبح مصرف لبنان هو المرجعية المعتمدة، بمعزل عن أي خلاف بشأن الآلية القانونية لتسعير قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية. لكن، رغم ذلك، استنسب وزير المال ربط سعر الصرف بوجود نوعين من الدولار: النقدي والمحلّي. ويأتي هذا الاستنساب بعد أشهر من قيام مصرف لبنان بإلغاء تعدّدية سعر الصرف بموجب التعميم 167. عملياً، يبرّر الخليل توزيع الخسائر غير المباشرة الذي تمارسه المصارف بغضّ نظر من مصرف لبنان من خلال «بدعة» تعبّر عن «الهيركات» الفعلي الذي يُنفذ على مرأى من أعين السلطة بكامل تنوّعاتها الوظيفية ومكوّناتها السياسية: كل دولار محلي يوازي 16.8% من قيمة الدولار النقدي، فيما فقدت الليرة 89% مما كانت عليه.
المصدر – الاخبار