بعض اللّحامين لا بد من ان يغشوا في بيع اللحم حتى وان كان مخصصا لبيوتهم وفقا للمثل الشعبي “إذا لم يستطع غش أحد.. فإنه يغش نفسه”. امام هذا الواقع المتفلّت المتمثل باللحوم الفاسدة المحتشِئة بالديدان تارة، والعظام او الجلاميط للتلاعب بوزنها تارة أخرى لا يوجد رقابة أو تدقيق وتفتيش من قبل الوزارات المعنية للتقصّي عن مصدر اللحوم المتواجدة في الملاحم والسوبرماركت وعن سلامة صلاحيتها؛ ويكون ذلك من خلال طلب الفاتورة من القصّاب وحصر كميات اللحوم الطازجة وتلك المثلّجة التي يستجرها لبيعها يوميا ومعظمها هجينة المصدر ويتم التحكّم بتواريخها. لان مسألة الاعتماد على شكاوى المستهلكين كجزء أساسي في عملية المراقبة لتطبيق القانون او القيام بجولات مفاجئة لن يغيرا في الواقع القائم على غش اللحوم وخلطها. لان المكر المتأصل والمتجذّر يفوق الإحساس بالذنب جراء الضرر الصحي الذي قد يلحق بالناس.
وفي هذا الإطار، قال أحد المواطنين لـ “الديار”، “منذ ايام اشتريت لحمة مفرومة “ناعمة” من متجر شركوتيه عون، ولكن تفاجأت انها تحتوي على بقايا من العظام وهذا الامر فيه خداع كون الهدف منه زيادة وزن السلعة لان اللحمة الهبرة يجب ان تكون خالية تماما من العظم والدهن”.
في سياق متصل، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يعود لمواطن من منطقة حلبا في عكار وهو يمسك بين يديه بعضاً من اللحمة المفرومة التي كان اشتراها من احدى ملاحم المنطقة وممتلئة بالديدان الواضحة بالعين المجردة”.
التجاوزات تخطّت الخطوط الحمراء
على خطٍ موازٍ، حذّر أحد الأطباء البيطريين عبر “الديار”، “من التجاوزات التي تحصل في مزارع الابقار، مشيرا الى ان البقر المريض وقبل موته يجد طريقه الى المسلخ وهذا الامر جدا خطير وفيه الكثير من الأذى على السلامة العامة”.
وأضاف، “المواطن البسيط الذي لا يعلم ما يجري خلف كواليس الفرامات والطبليات الخشبية والسواطير الوهمية التي لا تعمل الا امام الزبون “المقرِش” أي الذي يملك مالا كثيرا او اثناء المداهمات من قبل مراقبي وزارة الاقتصاد وجهاز امن الدولة ورغم كل ذلك فحتى الزبون “الدسم” يجد نفسه مغبونا بلحمة القصّابين وأصحاب السوبرماركت والملاحم التي باتت اشبه بمسالخ تعج ببقايا الحيوانات النتنة”.
ولفت الدكتور البيطري، “الى ان بعض اللحامين الغشّاشين يجهزون لحوم “الصفيحة” والبسطرمة عبر الاستعانة بوعاء كبير واسع ورحب يضعون داخله الجلود والجلاميط والخبز اليابس ويُرش فوق كل هذه المكونات الصبغة الحمراء لتخرج على انها لحمة طازجة ويتم تحضيرها في نفس اللحظة”.
واشار، “الى ان المواطن يبقى هو الضحية واللقمة المستساغة في فم القصّاب المتخاذل في مهنته لما يخلّفه من داء واوبئة تثير مخاوف الناس. ولا يقف الامر عند حدود الغش بل ورغم ارتفاع الأسعار ودولرة اللحوم على اختلاف أنواعها المستوردة والمحلية والمغشوشة في مضمونها بالعظام والديدان والاصبغة؛ الا ان المواطن يسارع لشرائها وهذه هي المشكلة التي تزيد المسألة تعقيدا لنصبح امام معادلة اللحام “غشاش” والمواطن “مضطر”.
وتوجه الدكتور البيطري عبر “الديار”، “الى المسؤولين للانتباه وتكثيف الجولات المفاجئة والتدقيق في عينات اللحوم دون الاكتفاء بإقفال الملاحم والسوبرماركت بالشمع الأحمر فقط. بل يجب مقاضاة هؤلاء امام القضاء في محاكم مختصة تعطي فعالية كبيرة في احكامها وجعل هؤلاء عبرة لمن يعتبر لأنهم يمارسون غشا عن سابق إصرار وتصميم مستغلّين الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة لتسجيل صفقات ربحية على ظهر العائلات غير الميسورة”.
وتحدّث عن الديدان المتواجدة في اللحوم، “وتعرف باسم “الساركوسيست” وهي تصيب عضلات الحيوانات المختلفة والطيور والثدييات وكذلك الانسان، وتكون بيضاوية او صنوبرية الشكل ولونها ابيض او مائل للاصفرار قليلا، ومنها حجمان، الكبير ويُرى بالعين المجردة وقد يصل طول الحويصلة الى عدة سنتيميترات قد تتعدّى 4 سم او أكبر تبعا لعمر الحيوان المصاب، فكلما زاد الحيوان في العمر او زاد عمر الإصابة زاد حجم الحويصلة، اما النوع الصغير فلا يمكن رؤيته الا مجهريا وهذه الحويصلات قد تفرز سمّا. وتحتوي “الساركوسيست” على سمّ يسمى “الساركوسستين”، وقد ثبت ان له اثرا مميتا بعد حقنه في الفئران والارانب”.
أيسر الحلول “شكوى”!
في سياق متصل، قالت نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك د. ندى نعمة لـ “الديار”، “ان مسألة وجود ديدان في اللحوم امر بالغ الأهمية وحسّاس ودقيق في نفس الوقت، كونه يمسّ سلامة الغذاء بشكل مباشر. لكنه يعني أيضا ان هذه اللحوم باتت غير صالحة للأكل ولا بأي شكل من الاشكال”. وارشدت، “المواطنين الى تقديم شكوى رسمية لدى الجمعية ليتم على أساسها اخذ الإجراءات المناسبة، ونحن نُحيلها بدورنا الى الوزارة المعنيّة، لكن إذا تم تقديمها في وزارة الاقتصاد فعلى المواطن ان يتابع شكواه عبرها حصراً”. وأوضحت بالقول: “لا يمكننا معرفة حقيقة الامر بدون ادعاء مقرون بدليل وهذا حق من حقوق المواطن ومن واجبنا متابعة كل قضية من هذا النوع حتى النهاية لنصل الى النتائج المرجوّة”.
وأشارت، “الى ان هذه الصيفية كانت مكتظة بالأخبار الصحية السيئة مثل موضوع الالبان الفاسدة، وتجدر الإشارة الى ان “الديار” كانت اول من تطرق الى هذه القضية وكشفت كيف يتم التلاعب بالمواد الأساسية وخلطها بالزيوت النباتية”.
وختمت قائلة، “لا يمكن الوصول الى حل في هذه المسألة الا عبر تطبيق قانون سلامة الغذاء وعلى كل مؤسسة معنية في هذا المجال ان تمارس الصلاحيات المعطاة لها ولا يمكن التنصّل لأي جهة من المسؤولية لان ما خفي أخطر لجهة الغش بالمواد الأولية المستخدمة”.