ألان سركيس – نداء الوطن
تراوح المفاوضات المرتقبة بين لبنان وإسرائيل مكانها. لا خرق جديدًا يُذكر. لبنان يتمسّك بأوراقه التي يعتبرها مصدر قوّة، والولايات المتحدة الأميركية تراقب الوضع عن كثب بعد وصول سفيرها الجديد ميشال عيسى إلى بيروت ومباشرة عمله.
قد يصحّ المثل القائل “كثرة الطباخين بتحرق الطبخة” على حالة لبنان. عدم قدرة الدولة على حزم أمرها يجعل كل طامح للعب دور ما في الشرق الأوسط يُجرّب حظه، بينما القضية تحتاج إلى قرار واضح من الدولة اللبنانية تذهب من خلاله إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل ومن دون وساطة أحد.
دخل اللاعب المصري على الخطّ، وحتى الساعة لا يزال يجري اتصالات بعواصم القرار وتل أبيب من أجل تحقيق خرق ما في ملف التفاوض. أما الفرنسي فيحاول تسجيل اختراقات وأهداف من دون أن يحمل في يده ما يضمن حق لبنان وتجاوب إسرائيل.
وتبقى الكرة في الملعب الإسرائيلي، ويعمل الأميركي على الإحاطة بالموضوع ولم يعلن ساعة الصفر بعد. ولا تزال وجهات النظر متباعدة بين لبنان وإسرائيل، ويعرقل الأمور غياب الوسيط أولًا، وعدم وجود تواصل مباشر بين بيروت وتل أبيب ثانيًا، ووضع الملف السوري كأولولية تتقدّم على الملف اللبناني خصوصًا أن إسرائيل غير مستعجلة على حسم الملف طالما أنها تهاجم “حزب الله” ساعة تشاء ولا يجرؤ “الحزب” على الردّ عليها، وكذلك أعطى أمين عام “الحزب” الشيخ نعيم قاسم ضمانة لإسرائيل بعدم تعريض أمن مستوطنات الشمال للخطر.
لا يستطيع أحد “دفش” المفاوضات إلى الأمام سوى الولايات المتحدة الأميركية التي تملك مفاتيح القوّة والحلّ وهي القادرة على إقناع إسرائيل بالتنازل، وتستطيع تخويف إيران التي تعرقل مسيرة التعافي في لبنان. ومن الآن حتى حسم واشنطن الموقف، هناك تناقض كبير في وجهات النظر بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، وهذا التناقض يُعطّل انطلاق المفاوضات.
وفي التفاصيل، يريد لبنان تأمين الانسحاب الإسرائيلي من النقاط المحتلة وتحرير الأسرى ووقف الاعتداءات والتزام إسرائيل باتفاق 27 تشرين الثاني 2024 وبالقرار 1701، بينما تضع تل أبيب شروطًا لبدء المفاوضات، وهذه الشروط تنطلق من تسليم سلاح “حزب الله” وتفكيك بنيته العسكرية والأمنية ومنع أي نشاط عسكري له ليس في جنوب الليطاني فقط بل في كل لبنان.
وبين الشروط والشروط المضادة، يراوح التفاوض مكانه، فحسب رأي الدولة اللبنانية، لا يمكنها القبول بتسليم السلاح من ثمّ الذهاب إلى المفاوضات، فهي لا تريد خسارة نقطة قوّة تملكها، وما يزيد من تمسّك الدولة بهذه النقطة هو غياب أي ضمانة إسرائيلية وأميركية، فلو أتت ضمانات من إسرائيل عبر الولايات المتحدة الأميركية بانسحاب إسرائيل من الجنوب وتسليم الأسرى ووقف الاعتداءات على الأراضي اللبنانية والاستهدافات، لكان لبنان تشجّع على فعل شيء، لكن تل أبيب تريد تسليم السلاح من دون تقديم أي ضمانة للبنان ومن دون أي ضمانة في باقي الملفات.
وتحدث كل هذه التطورات وسط مخاوف جديّة داخل أروقة الدولة اللبنانية من اندلاع الحرب مجددًا، وتشير المعلومات إلى أن كل السفراء والموفدين الذين يزورون لبنان من أميركيين إلى فرنسيين وصولاً إلى المصريين لا يقدّمون أي ضمانات، ولا يستطيعون الجزم بأن إسرائيل لا تريد استكمال حربها.
وتراهن الدولة اللبنانية على واشنطن من أجل تحقيق خرق إيجابي، لكن يبدو أن أجواء العاصمة الأميركية غير بعيدة من الجوّ الإسرائيلي، ويضغط اللوبي اليهودي بشدّة على إدارة الرئيس دونالد ترامب لإنهاء كل المظاهر التي تهدّد أمن إسرائيل.وتقف الدولة اللبنانية عاجزة أمام هجمات إسرائيل ونواياها، وأمام استمرار إيران باستباحة جنوب لبنان واستعماله كصندوق بريد وورقة للتفاوض، وبالتالي، قد يكون انطلاق الإنقاذ بفرض الدولة سيادتها وحصر السلاح بيد الشرعية دون انتظار موقف أميركا أو غيرها من الدول، وإلا باب الحرب سيفتح على مصراعيه.


