أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ان ما من شيءٍ على الإطلاق يمكنُ أن يبررَ الإرهاب بما هو استهدافٌ لمدنيين أبرياء، مشيراً الى أن لبنان بلد ملتزم، حكومةً ومؤسساتٍ وشعباً ومجتمعاً وأفراداً، ببذلِ كلِ جهدٍ ممكن، لمكافحةِ كلِ إرهابٍ مُحدِق و”قد جسّدنا ذلك على أرضِ الواقع وعلى أرضِنا. “
ولفت الرئيس عون الى أن الجيش اللبناني، كما القوى المسلحة اللبنانية كافة، بذلوا تضحياتٍ كبيرةً في مواجهةِ الإرهابيين، وفي مكافحةِ إرهابِهم وانتصروا عليهم كلَ مرة، مشدداً على “اننا انتصرنا عليهم في المواجهاتِ العسكرية، كما في المواجهاتِ الأمنية وبالمواجهة الفكرية والثقافية والأهلية.”
ورأى رئيس الجمهورية ان ما نراه كلَ يوم، من مقدراتٍ هائلة توضعُ في سبيلِ الحروب والصراعات وقتلِ البشر، يؤكدُ لنا أنَّ وضعَ جزءٍ منه في سبيلِ الأمنِ الوطني والسلامِ الأهلي، قادرٌ على القضاءِ على المخططات الارهابية و إنقاذِ الأبرياء، داعياً كذلك المسؤولين في المجتمع أن يتجنّدوا، تماماً مثلَ تجنّدِ الإرهابيين ومجنّديهم، من أجل مكافحةِ هذا الخطر، بالفكرِ والقولِ والفعل، ومن أجلِ إخراجِ هؤلاء من بيئاتِهم وعزلِهم ونبذِهم، وتوضيحِ مخاطرِهم المُهلكة، لأهلِهم، قبل خصومِهم.
وإذ اشار الرئيس عون الى ان الإرهابُ اليوم باتَ مُعَولماً وهذا يقتضي منا عولمةَ مكافحتِه، نوّه “بالجهودِ المبذولة عربياً في هذا المجال من أجل تعاونٍ قضائيٍ وأمنيٍ ومعلوماتيٍ شامل، يعززُ قدراتِنا جميعاً، بمواجهةِ الأساليب المبتكرة للإرهاب السيبراني والبيولوجي وغيرِه. وهو ما يقتضي مزيداً من المَأسسة العربية والدولية، في آلياتِ تبادلِ المعلومات وتقديمِ المساعدة القضائية وتسليمِ الملاحَقين وتنفيذِ الأحكامِ القضائية. “
مواقف رئيس الجمهورية جاءت خلال مشاركته صباح اليوم في افتتاح المؤتمر الاقليمي حول التعاون القضائي الدولي في مكافحة الارهاب: التحديات وآفاق العمل حول المقاتلين الارهابيين الاجانب في كلية فؤاد شهاب للقيادة والاركان وهنا نص كلمة الرئيس عون:
أيها الحضورُ الكريم،
لأنّ الموضوعَ بهذه الأهمية، ولأن المشاركة على هذا المستوى من التخصّصِ والخبرة، سأحاولُ أن أجعلَ كلامي دقيقاً محدَّداً مقتضَباً.
مثلَ نصِ القانون … حيثُ لا اجتهاد.
فلنتفقْ أولاً على تحديدٍ مفهوميٍ، لجائحة الإرهاب.
أدركُ تماماً أنّ تعريفاتٍ كثيرةً أُعطيت. وأن جهوداً كبيرة بُذلت من مختصين ومن هيئات دولية، وخصوصاً من آلياتِ القانون الدولي والشرعية الدولية، للتوصّلِ إلى تعريفٍ جامع لهذه الظاهرة.
لكن دعوني الآن، بخبرتي الميدانية والسياسية المسؤولة المتواضعة، أن أعتبرَ معكم، أنّ الإرهابَ هو ما يلي:
إنه استخدامٌ واضحٌ وعلني، للعنفِ المادي أو المعنوي، غيرِ المبرَّر وغير الشرعي، ضد أهدافٍ مدنية بريئة. لا كغايةٍ في ذاتِها. بل كوسيلةٍ لتحقيقِ غايةٍ أبعد. ألا وهي ترويعُ وتطويعُ أفرادٍ أو جهاتٍ مدنية أخرى. بهدفِ انتزاعِ مطالبَ معيّنة وغيرِ محقة منها، بطريقةٍ غيرِ شرعية ولا مشروعة.
الإرهابُ إذن، هو في تعريفي هذا، سعيٌ إلى غايةٍ شنيعةٍ بشعة، بوسيلةٍ أشنع وأبشع …
ولنتفقْ ثانياً، على أنْ ما من شيءٍ على الإطلاق، يمكنُ أن يبررَ الإرهاب.
وأكررُ، لا شيءَ مُطلقاً إطلاقاً كاملاً نهائياً، يمكنُ أن يبررَ الإرهاب.
لا ظلمٌ سابق. ولا قهرٌ حاضر. ولا ثأرٌ لماضٍ. ولا تحسُّبٌ لمستقبل.
ولا ذريعةُ فكرٍ. ولا مزاعمُ دفاعٍ عن نفسٍ …
لا شيء أبداً يبرر الإرهاب، بما هو استهدافٌ لمدنيين أبرياء. .
ولنتفقْ ثالثاً، على أنّ مكافحةَ الإرهاب، تقتضي معرفتُه. ومعرفةُ دوافعِه وجذورِه وأسبابِه وطرقِه ووسائلِه … وكلِ ما يتعلقُ به.
وهنا، إسمحوا لي أن أتابعَ من تجربتي الشخصية، لأقولَ لكم، أننا في عالمِنا اليوم، أمام فئتين أساسيتين من الإرهاب.
أولاً، إرهابٌ يقومُ به أفرادٌ محدودون في العددِ والمكانِ والأغراضِ الشخصية أو الفردية.
وهو النوعُ الذي يستوجبُ منا فتحَ كلِ آفاقِ التعاونِ والتكامل. في المعلوماتِ والتحليلِ والتحركِ والعمل. من أجل القضاءِ على مخططاتِ هذا النوعِ من الإرهاب. وحرصاً على إنقاذِ الأبرياء.
طبعاً ضمنَ حدودِ سيادةِ كلِ دولة. ولكنْ طبعاً أيضاً، من دون التذرُّعِ بمبدأِ السيادة، بما قد يعرِّضُ مدنيين أبرياءَ لخطرِ الموتِ أو الإيذاءِ الجسدي.
ولن أدّعي ههنا تقديمَ لوائحَ شاملة بالخطواتِ المطلوبة في هذا المجال.
لكنني أختصرُ بالقول، بأنّ ثورةَ الاتصالات والمعلوماتِ والذكاءِ الاصطناعي والتواصلِ الإلكتروني، وكلَ ما يرتبطُ بعالمِ الرقمنة الذي نعيشُ فيه اليوم، يُفترض أن يقدّمَ لنا الإمكاناتِ الكافية لمكافحةِ هذا النوعِ من الإرهاب.
فما نراه كلَ يوم، من مقدراتٍ هائلة توضعُ في سبيلِ الحروب والصراعات وقتلِ البشر، يؤكدُ لنا أنَّ وضعَ جزءٍ منه في سبيلِ الأمنِ الوطني والسلامِ الأهلي، قادرٌ على تحقيق هذين الهدفين، بنسبة قد تكون كاملة.
ثانياً، إرهابٌ تقومُ به مجموعاتٌ كبيرة، في أمكنةٍ متعددة، وذلك بدافعِ أفكارٍ أو إيديولوجياتٍ متطرفة إلغائية لأيِ آخر، أو حتى عدمية بالمطلق.
وهذا مستوىً أخطرُ من الإرهاب. لأنه أكثرُ تنظيماً وتمدّداً.
والأهم لأنه أشدُّ تصميماً على الإرهابِ والترهيب، بدافعٍ فكريٍ أعمى.
وحين يختلطُ هذا النوعُ من الإرهاب، مع أفكارٍ دينيةٍ مضلَّلة وبالتالي مضلِلة، تصيرُ المعضلة أكثرَ خطورةً وتعقيداً.
ذلك أنّ مكافحةَ هذا النوعِ من الإرهاب، تقتضي إمكاناتٍ مضاعفة.
وهي تحتاجُ خصوصاً، إلى وسائلَ مختلفة للمواجهة والمكافحة.
وسائلُ تتوجّهُ، لا إلى الأيدي المرتكبة فقط، بل إلى الرؤوسِ المحرّضة. وإلى الأفكارِ القائمة في عقولِ الجهاتِ المجنِّدة للأيادي الإرهابية.
المطلوبُ هنا، ليس مجردَ قطعِ الإصبعِ الموضوعة على زنادِ التفجيرِ الإرهابي. بل وأدُ الفكرة التي جنّدت صاحبَ الإصبع وغسلت عقلَه بضلالِ أنّ ما يقومُ به من جريمةٍ بشعة، هو أمرٌ صالح.
وهذا المستوى من المكافحة، لا يعودُ من اختصاصِ الآلياتِ القانونية والقضائية والجنائية. بل من اختصاصِ أصحابِ الرأيِ الفكر.
وخصوصاً خصوصاً، المسؤولين عن الجماعات الروحية أو الدينية أو الحزبية، التي يخرجُ منها وعليها هؤلاءُ المضلِلون والمضلَلون.
على أولئك المسؤولين في المجتمع أن يتجنّدوا، تماماً مثلَ تجنّدِ الإرهابيين ومجنّديهم، من أجل مكافحةِ هذا الخطر، بالفكرِ والقولِ والفعل، ومن أجلِ إخراجِ هؤلاء من بيئاتِهم وعزلِهم ونبذِهم، وتوضيحِ مخاطرِهم المُهلكة، لأهلِهم، قبل خصومِهم.
وهذه مهمة علينا جميعاً ألا نتساهلَ فيها…
أما لماذا تلتقون لبحث هذه القضايا، في لبنانَ بالذات؟
بكل بساطة، لأننا بلدٌ ملتزمٌ، حكومةً ومؤسساتٍ وشعباً ومجتمعاً وأفراداً، ببذلِ كلِ جهدٍ ممكن، لمكافحةِ كلِ إرهابٍ مُحدِق.
ولأننا جسّدنا ذلك على أرضِ الواقع وعلى أرضِنا.
فالجيشُ اللبناني، كما القوى المسلحة اللبنانية كافة، بذلوا تضحياتٍ كبيرةً في مواجهةِ الإرهابيين، وفي مكافحةِ إرهابِهم. وانتصروا عليهم كلَ مرة. انتصرنا عليهم في المواجهاتِ العسكرية، كما في المواجهاتِ الأمنية. وخصوصاً، انتصرنا على الإرهاب بالمواجهة الفكرية والثقافية والأهلية.
لأننا بلدُ سماحٍ وتسامحٍ وحوارٍ وتعددٍ وتنوّعٍ وحريةٍ وحداثة …
وفي بيئةٍ كهذه، لا مكانَ ولا مجالَ لحضانةٍ بنيويةٍ للإرهاب.
لا بل يمكنُ القول أنّ بيئةً كهذه، هي من أبرزِ شروطِ مكافحةِ الإرهاب.
فالإرهابُ جرثومةٌ لا تنمو إلا في الظلمِ والظلام. وبالتالي فأنوارُ العدالة وأضواءُ الحداثة، عاملٌ حاسمٌ في القضاءِ عليها.
وهو ما نتعاون لتحقيقِه مع كلِ أصدقائِنا في محيطِنا وفي العالم.
منوِّهين بالجهودِ المبذولة عربياً في هذا المجال. من أجل تعاونٍ قضائيٍ وأمنيٍ ومعلوماتيٍ شامل، يعززُ قدراتِنا جميعاً، بمواجهةِ الأساليب المبتكرة للإرهاب السيبراني والبيولوجي وغيرِه. هو ما يقتضي مزيداً من المَأسسة العربية والدولية، في آلياتِ تبادلِ المعلومات وتقديمِ المساعدة القضائية وتسليمِ الملاحَقين وتنفيذِ الأحكامِ القضائية.
فالإرهابُ اليوم باتَ مُعَولماً. وهذا يقتضي منا عولمةَ مكافحتِه أيضاً.
أيها الحضورُ الكريم، أسالُ بعد، لماذا تلتقون في لبنان؟
لأننا شعبٌ نُحَيّي بعضَنا عند كلِ لقاء، إما بعبارة: السلامُ عليكم، ولا ضرورة لترجمتِها …
وإما بكلمة مرحبا، وترجمتُها من أصلِها الآرامي: “الله محبة”…
لذلك أنتمُ اليومَ هنا. في أرضٍ وبين شعبٍ، لا يريدُ إلا السلامَ بمحبة، لكل البشر، أحراراً كِراماً، كما ولدتنا أمهاتُنا.
فشكراً للمنظمين. وشكراً لكل الحضور. مع كلِ الدعاء بكلِ التوفيق، من أجل حياةِ حرةٍ كريمةٍ بسلامٍ ومحبة.”
الاحتفال: وكان الاحتفال افتتح بالنشيد الوطني اللبناني، تحدث بعدها مدير برنامج العدالة الجنائية الممول من الاتحاد الاوروبي القاضي الرئيسي خوسيه ماريا فرنانديز فيلالوبوس ، ثم القى منسق مكافحة الارهاب في الاتحاد الاوروبي السيد بارتيان ويغتر كلمة حول العلاقات الاوروبية –العربية في مجال مكافحة الارهاب، القت بعدها سفيرة الاتحاد الاوروبي في لبنان ساندرا دو وال كلمة الاتحاد الاوروبي، ثم القى وزير العدل_ رئيس مجلس ادارة المركز العربي الوزير عادل نصار كلمة المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية ثم ألقى الامين العام لجامعة الدول العربية الاستاذ احمد ابو الغيط كلمة جامعة الدول العربية .
نصار: من جهته، أكّد وزير العدل أنّ لبنان يسعى، بعد استعادته سيادته، إلى بناء دولة قوية تكون خط الدفاع الأول في مواجهة الإرهاب.
وشدّد نصار على أنّ مكافحة الإرهاب تبدأ بمحاسبة مرتكبيه أياً كانوا، مشيرًا إلى أنّ لبنان مرّ بأزمات متعددة، إلا أنه اليوم يستعيد دوره الطبيعي بفضل جهود رئيس الجمهورية والحكومة وأعضائها، ما يتيح إعادة تفعيل مؤسساته وتعزيز موقعه في إطار التعاون القضائي الدولي.
كما أشار الوزير إلى أهمية توحيد الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات الإرهابية العابرة للحدود، من خلال تطوير آليات التنسيق القضائي وتبادل المعلومات، بما يضمن تحقيق العدالة وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأضاف نصار: “شهدنا عمليات إرهابية كثيرة، ومع تطور هذه الآفة كبرت الخلايا، ما يجعل المواجهة أكثر صعوبة في غياب التنسيق الدولي والقضاء المستقل”، موضحًا أنّ وزارة العدل أعادت إحياء ملفات الاغتيالات الإرهابية ضمن إطار العدالة والمحاسبة.
وختم الوزير بالتأكيد على أنّ لبنان سيواجه آفة الإرهاب بالحضارة والقانون والعدالة، معتبرًا أنّ الرد الحقيقي على العنف يكمن في تعزيز دولة المؤسسات وصون حقوق الإنسان.
ابو الغيط: بدوره، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط: “على الرغم من هزيمة تنظيم داعش لا تزال الصراعات قائمة وتهديداته بالعودة والظهور وبعض الدول اتخذت قرارات لاعادة مواطنيها المخطوفين واعادة تأهيلهم والهدف هو تحويل هذه الجهود الفردية الى جهود جماعية بين الدول”.
وأشار إلى أن “جامعة الدول العربية أكدت دائما مكافحة الارهاب في اي دولة كانت وتعمل الامانة العامة على هدف تعزيز التنسيق من خلال آليات متجددة من استخدامات التنظيمات الحديثة للارهاب مثل الذكاء الاصطناعي والمسيرات ومن هذا المنطلق نتطلع الى فرصة تطوير الخبرات لبناء قدرات فنية لمواصلة الحد من الارهاب بالقانون”.


