لبنان على موعد مع مطلع أسبوع سياسي حار في عز عاصفة ثلجية جليدية جديدة تهب على المنطقة بحيث تتشابك فيه احداث وتطورات على قدر عال من الأهمية. ففيما يشرع مجلس الوزراء صباح اليوم في عقد أولى جلساته لدرس ومناقشة وإقرار #الموازنة الصادمة والمخيبة لسنة 2022 على وقع تصاعد الاصداء الشديدة السلبية حيالها والتي حركت الشارع امس رغم الطقس الماطر والمثلج، تشخص الأنظار قاطبة الى الكلمة التي سيلقيها الرئيس سعد الحريري في الرابعة بعد ظهر اليوم من بيت الوسط متضمنة قراره الحاسم بالعزوف عن الترشح عن الانتخابات النيابية وتسويغه للمبررات والدوافع التي أملت عليه اتخاذ هذا القرار والتي على ما يبدو ستتسم بنبرة استثنائية تطاول كثيرين في الداخل والخارج ولا تبرئ الأقربين قبل الخصوم والابعدين. وعلى وقع هذه التطورات الداخلية البارزة لم تغب دلالات المبادرة الكويتية التي حركت ملف العلاقات اللبنانية الخليجية، وهذه المرة بورقة محددة من عشر نقاط تتسم بأهمية لجهة تحميلها لبنان ضمنا تبعة المعالجة الحاسمة لتحويله منصة عدائية ضد الدول الخليجية، وكذلك إعادة تذكير سلطاته بمسؤوليتها عن تنفيذ القرارات الدولية وقبل كل ذلك التزام مندرجات اتفاق الطائف.
الحريري ماذا سيقول؟
الملف الأكثر مدعاة لشد الأنظار اذا حسب “النهار” يتمثل في ما سيعلنه الرئيس الحريري الذي انهى امس أياماً ماراتونية من اللقاءات العلنية والسرية والمشاورات المعاقبة منذ عودته الى بيروت قبل أربعة أيام . وتشير معلومات “النهار” إلى ان هناك توجّهين أساسيين سيطبعان الكلمة التي ستبثها وسائل الاعلام مباشرة: الأول تأكيد حسم توجّه الحريري لناحية العزوف عن الترشّح شخصيّاً للانتخابات النيابية المقبلة. وقد أبلغ هذا القرار إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وقبلهما الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين. ولم يقطع الاجتماع بين الحريري ورؤساء الحكومات يوم السبت بالقرار النهائي الذي يخصّ أي دور مرتقب لهم في إمكان دعم أسماء محسوبة على “المدرسة الحريريّة” أو متقاطعة معها أو ممثّلة للبيئة السنيّة عموماً. ويتمثّل الاتجاه الثاني في تأكيد استمرار الحريري خوضه غمار الحياة السياسيّة على رأس “تيار المستقبل” بمنسقيّاته وهيئاته وفعالياته، على عكس كلّ ما تناقل من أجواء عن اعتزامه إعلان اعتزاله السياسة واتخاذه قراراً بحلّ التيار. وسيُتَابع تاليا نشاطه السياسي في المرحلة المقبلة، انطلاقاً من وجهتين داخليّة وخارجيّة في ظلّ إقامته المتنقّلة بين لبنان والإمارات العربية المتحدة.
اما في شأن التوجّه الذي يختاره “تيار المستقبل” بالنسبة للانتخابات النيابية، فتشير المعطيات إلى أن الخيار يتّجه نحو عدم تشكيل لوائح انتخابية تحت اسم التيار بما يعني عزوف المستقبل عن خوض الاستحقاق الانتخابي رسميّاً، مع ترك المجال مفتوحاً أمام الكوادر والوجوه “المستقبلية” الراغبة في الترشّح بخوض الانتخابات من منطلق شخصي لا حزبي.
وعشية اعلان الحريري قراره توافدت حشود أنصاره من مناطق عدة الى محيط بيت الوسط، رغم الطقس العاصف والماطر، رافعة المطالبة بثنيه عن قراره عدم خوض الانتخابات النيابية المقبلة . ولاقى الحريري الحشود التي تجمعت عند مداخل بيت الوسط آتية من عكار متوجها اليها بالقول: “القلب على الشمال، وكلكن بالقلب. أنا أعلم أن هذه الأيام صعبة، ولكن هذا البيت سيبقى مفتوحا لكم ولجميع اللبنانيين. رفيق الحريري لم يستشهد لكي نغلق بيتنا، وأنا أفديكم بالروح والدم. أشكركم على مشاعركم وعلى مجيئكم ووجودكم هنا، وأنا اليوم سمعتكم وأريد منكم أن تستمعوا إلي غدا، لأني سأعود وأؤكد لكم أن هذا البيت لن يغلق”.
ووصفت اوساط «بيت الوسط» عبر “الجمهورية” اجواء لقاءات الحريري التي شملت أمس كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بأنّها كانت سياسية بامتياز، عبّر خلالها الرجلان عن معزة خاصة للحريري ودوره.
ولذلك ستتركّز الأنظار على ما سيعلنه الحريري بعد ظهر اليوم، على رغم انّ التوجُّه الذي سيعلنه أصبح معروفاً بخطوطه العريضة، وهو عزوفه عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، ولكن من المهم انتظار صدور الموقف بحلّته الرسمية والنهائية لمعرفة الأسباب الموجبة المعلنة التي ارتكز إليها بقراره العزوف عن هذه الانتخابات، فيما السؤال الذي يطرح نفسه يتعلّق بانعكاسات هذا القرار والتوجّه على المستوى الوطني؟
وأكّد الحريري أمام الجموع التي أمّت منزله في «بيت الوسط»، انّ هذا البيت «لن يتسكّر»، ودعا الجموع إلى انتظار ما سيقوله اليوم، ما يعني انّ قراره ليس الخروج من الحياة الوطنية والسياسية، إنما عدم المشاركة حصراً في الانتخابات النيابية. ولكن ما تأثير هذا القرار على التمثيل السنّي داخل الندوة البرلمانية، خصوصا انّ الرئيس تمام سلام كان قد أعلن عدم مشاركته في هذا الاستحقاق «إفساحاً في المجال أمام الجيل الجديد» ليطل ويثبت نفسه، كما انّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتجّه إلى عدم خوضها من منطلق إشراف حكومته على الانتخابات، وفي ظل تساؤل عمّا إذا كان هذا العزوف عن الانتخابات سيتمدّد ليشمل شخصيات سنّية أخرى، وفي ظل حديث عن انعكاس هذا القرار على 4 مستويات أساسية:
ـ المستوى الأول، يتعلّق بميثاقية مجلس النواب في حال انسحبت دعوة العزوف على تيار «المستقبل» وخاض الدعوة إلى المقاطعة، ولكن لا يبدو انّه في هذا الوارد حتى اللحظة!
ـ المستوى الثاني، يرتبط بالشخصيات والقوى التي ستتولّى تعبئة الفراغ الذي سيخلفه عزوف الحريري وتياره، خصوصاً انّه ما زال يمثِّل الغالبية السنّية.
ـ المستوى الثالث، يتعلّق بدور هذا الفريق السياسي في المستقبل بعد خروجه الكلي من مجلس النواب، إذ سيفقد تأثيره النيابي والحكومي وفي الاستحقاقات الوطنية وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية.
ـ المستوى الرابع، يتصل بالتوازن السياسي على المستوى الوطني نظراً الى الدور الذي لعبه «المستقبل» أقله في المرحلة التي تلت الخروج السوري من لبنان ونشوء فريقي ٨ و ١٤ آذار.
وعلى الرغم من انّ قراره بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات قوبل برفض من داخل بيئته ومن القوى السياسية التي التقاها ويتفاعل معها، فلا يبدو حتى اللحظة انّه في وارد إعادة النظر في هذا القرار الذي جاء خصيصاً لإعلانه، كما من غير المعروف بعد احتمالات تأثيره على مجمل الاستحقاق النيابي، ولكن الثابت انّ هذا القرار سيؤدي إلى خلط الأوراق السياسية والتوازنات داخل مجلس النواب.
وعزت اوساط مطلعة قرار الحريري بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات إلى ثلاثة أسباب أساسية:
ـ السبب الأول مرده إلى تمنٍ خليجي بأن يأخذ استراحة سياسية في هذه المرحلة، وان يعيد فيها ترتيب علاقاته مع عواصم الخليج.
ـ السبب الثاني، مرده إلى وضعه المالي وتركيزه في هذه الفترة على هذا الجانب سعياً إلى إعادة تحسين أوضاعه الشخصية.
ـ السبب الثالث، مرده إلى غياب المال السياسي والنأي الخليجي عن لبنان، كما غياب التحضير السياسي للانتخابات في ظل الواقع التنظيمي الهش وابتعاده عن الساحة السياسية وخشيته من نتيجة هذه الانتخابات.
ولا شك في انّ هذا التطور طغى على عودة الحكومة إلى اجتماعاتها والموازنة ومجمل الملفات السياسية، والأنظار ستكون شاخصة على ما سيعلنه من أسباب موجبة دفعته إلى اتخاذ هذا القرار.
وكان الحريري خاطب الحشود التي أمّت «بيت الوسط» من عدد من المناطق اللبنانية، بمشاركة نواب وشخصيات، رافضة عزوفه عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة مطالبة ايّاه بإلحاح بالاستمرار في خوض الانتخابات، فقال: «القلب على الشمال، وكلكن بالقلب». أنا أعلم أنّ هذه الأيام صعبة، ولكن هذا البيت سيبقى مفتوحاً لكم ولكل اللبنانيين. رفيق الحريري لم يستشهد لكي نغلق بيتنا، وأنا أفديكم بالروح والدم. أشكركم على مشاعركم وعلى مجيئكم ووجودكم هنا، وأنا اليوم سمعتكم وأريد منكم أن تستمعوا إليّ غداً، لأني سأعود وأؤكّد لكم أنّ هذا البيت لن يُغلق».
وكان رافق بعض التحركات الشعبية المؤيّدة للحريري خلال عطلة الاسبوع، واطلق خلالها البعض هتافات معادية للمملكة العربية السعودية، ما دفع تيار «المستقبل» الى اصدار بيان قال فيه: «تلجأ جهات معروفة الاغراض والنيات الى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للنيل من المملكة العربية السعودية وقيادتها بدعوى التضامن مع الرئيس سعد الحريري. انّ هذه الاعمال مرفوضة ومدانة كائناً ما كان مصدرها واهدافها، والمملكة ستبقى عندنا بإذن الله قبلة الشرفاء في لبنان للعروبة والخير، فما يؤذيها يؤذينا ومن ينال منها يطعن الحريرية بالصميم».