قاعدة “المسكر بالعلن وفاتح بالمخفي”، هي الحاكمة هذه الايام، من المصارف التي اعلنت الاضراب لكنها فتحت، والترسيم المتأزم في الشكل والمنجز تحت الطاولة، والرئاسة التي ستطول مسرحية خلافها المتفق على اخراجها، وكذلك الحكومة التي ينعاها الجميع في الظاهر بينما الاتفاق على من سيتولى الفراغ بات واقعا. هي قصة بلاد العجائب في صورة جديدة قلما تشهدها دولة في العالم.
فوفقا لمعلومات وانتينات “ابو ملحم الجمهورية” الرئاسة أقرب من الحكومة، ما معناه بالمشبرح “حكومة افيش” ، إذ ان ابواق وطبول الحرب بدأت تقرع، والوضع يتجه إلى مزيد من التعقيد في حال نفذ لبنان تهديده وعدل مرسوم الترسيم المودع لدى الأمم المتحدة معتمدا الخط ٢٩ بدل الـ٢٣، والذي نتيجته فورا “الويل الاميركي والثبور الاسرائيلي”، الذي سيرد كيله حزب الله كيلبن، رغم إجماع المطلعين على موقف الحزب، بيقينه أن إسرائيل سترضخ للملاحظات اللبنانية و”مش متل ما بدها”، برغبة وقرار أميركيين، لذلك لا حرب ولا من يحزنون والأمور على الحدود الجنوبية هادئة والاوضاع عادية على طرفي الحدود خلافا لكل ما يتردد.
الغريب في الأمر أن مصالح الجميع تتقاطع عند عدم تشكيل حكومة جديدة وإبقاء القديم على قدمه، فجنرال بعبدا غير مستعد ان يظهر في صورة المهزوم والمفروض عليه عشية خروجه من القصر الجمهوري، والرئيس المكلف الذي سارع إلى الصرح البطريركي ليؤكد لسيده انه غير متحمس ولا يسعى لاستلام صلاحيات رئيس الجمهورية، غاسلا يديه من دم الفراغ، مسلما بالسير بحكومته الحالية بطلا لا مكرها ما دام ان “داللوز السراي” وجدها، فيما “الاستيذ” من مقره في عين التينة “يتكتك عا رواق”، محددا جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية الخميس ١٣ تشرين، ذكرى خروج العماد إلى المنفى، ويا لمحاسن الصدف، عند العزف على الوتر الحساس.
ووفقا لمصادر رئاسة الجمهورية فان التواصل مقطوع مع بعبدا بالكامل منذ اكثر من ستين ساعة في ما خص تشكيل الحكومة، وكل ما يسرب عن أسماء للتوزير يبقى مجرد تكهنات وتنبؤات، ذلك أن الشروط الموضوعية لولادة الحكومة لم تتوافر بعد في ظل قرار واضح بتعطيل الولادة لأسباب خارجة عن ارادة الرئاسة الأولى، التي ما زالت على موقفها في ما خص استلام حكومة تصريف الاعمال صلاحيات الرئيس في حال الفراغ، داعية إلى انتظار ما ستؤول اليه الأمور ليبنى على الشيء مقتضاه.
ولكن ماذا في آخر الديباجات الحكومية والاجتهادات الدستورية العجائبية؟ حسب ما يتردد في الاروقة السياسية ومطابخ التسويات، ثمة عبقري توصل إلى حل جهنمي “بخلص من مشكل” ويحفظ ماء وجه بعبدا، يقول ان الحكومة ليست حكومة تصريف أعمال على اعتبار ان رئيس الجمهورية لم يقبل او يوقع مرسوم استقالتها، مع الإشارة إلى أن النص الدستوري واضح في اعتبار الحكومة مستقيلة حكما فور انتخاب مجلس نيابي جديد، الا ان في لبنان يبقى النص وان كان واضحا وجهة نظر. ولكن ماذا لو وقع الرئيس عون مرسوم استقالتها؟
ولكن هل يعني ذلك ربط نزاع مع فريق العهد وفك للغم الخلاف الدستوري الذي قد ينشأ عن جدل طبيعة الحكومة الحالية؟ أوساط متابعة لعملية التشكيل دعت إلى عدم الاستعجال في حسم المسائل، فحارة حريك لم تقل كلمتها بعد وهي مستمرة في ضغوطها ومساعيها لتجنب الكأس المرة، الا انها تعرف جيدا حدود امكاناتها على هذا الصعيد، الا انها في المقابل رسمت خطوطا حمراء يمنع على اي كان تجاوزها، اهمها تحويل الجدل الدستوري إلى صراع طائفي ومذهبي.
غير أن الحزب لا يزال “نقزان”، خصوصا بعد نكسة الترسيم و”القطبة المخفية” التي ظهرت في اللحظات الأخيرة، مع تقاطع مصالح الأطراف الثلاثة المعنية على تأجيل التوقيع النهائي وان كان كل منهم لأهدافه الخاصة، علما ان التسوية اللبنانية التي وضعت أخرجت ملف الترسيم من دوامة تشكيل الحكومة والانتخابات الرئاسية.
غموض زاد عليه الصهر غموضا، رغم التسريبات عن انه “مطريها”، وأن مطالبه ضمن حدود المقبول إذ لم يطالب بالأكل من صحن غيره مكتفيا بالمطالبة بتغيير الطبخة في جزئها المتعلق بفريقه الحزبي، طارحا فكرة الوزراء السياسيين بدل التكنوقراط، ارتباطاً بظروف المرحلة المقبلة التي تفرض بحكم امر واقعها، هذا المعيار، وهو ما أبلغه لوزرائه خلال لقائه بهم في اللقلوق، الذي غاب عنه احد السياديين.
فهل طير العم والصهر الحكومة العتيدة؟ “نكاية” ام في اطار توزيع الادوار؟ ام هو ضغط يمارسه “جنرال بعبدا” ماسكا الجميع من الايد يلي بتوجعهم؟