في عدوان إسرائيلي هو الثاني على محافظة اللاذقية خلال العام الحالي، والأوّل الذي يطاول منشأة حيوية هامّة، هزّت عند الساعات الأولى من فجر أمس، انفجاراتٌ عدّة مرفأ اللاذقية، بالتزامن مع انطلاق قذائف الدفاعات الجوية السورية في سماء المدينة، لتُسفر الضربة عن أضرار مادية فقط. وإذ لا يبدو هذا التطوّر معزولاً من الصراخ الإسرائيلي المتواصل على هامش مفاوضات فيينا، فهو يفتح مجدّداً الباب أمام التساؤلات حول الدور الروسي في المنطقة الساحلية، حيث يُعتبر ميناء اللاذقية قريباً من القواعد الروسية الأساسية في سوريا
في الرواية الرسمية للحدث، نقلت وكالة «سانا» الرسمية عن مصدر عسكري، أن «العدوان تمّ تنفيذه عن طريق عدد من الصواريخ التي أُطلقت من اتجاه البحر». كما عمدت وسائل الإعلام الرسمية إلى نشر صور وتسجيلات تُظهر آثار العدوان الذي طاول مجموعة من الحاويات المجمّعة في ساحة الحاويات، والتي يضمّ بعضها مواد غذائية، وبعضها الآخر بضائع بينها أقمشة. وبينما لم يَصدر أيّ تعليق على الحدث من قِبَل العدو الإسرائيلي، نقلت وسائل إعلام عربية وعالمية عن «المرصد السوري» المعارض، أن العدوان «استهدف شحنة أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان»، وهي الرواية نفسها التي تبنّتها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية في وقت لاحق. وفَتح هذا التصعيد الجديد الباب أمام سلسلة من التساؤلات حول الدور الروسي في المنطقة الساحلية، خصوصاً أن الصواريخ الإسرائيلية جاءت عبر البحر، وعلى مقربة من القاعدة الروسية الجوّية في حميميم، والبحرية في طرطوس. ويُسجّل، هنا، أن العدو الإسرائيلي رفَع من وتيرة اعتداءاته على سوريا خلال الشهور القليلة الماضية، ووسّع نطاقاتها الجغرافية، بعد زيارة أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، لأوّل مرّة كرئيس حكومة. وفي حينها، أجمعت وسائل الإعلام العبرية على أن بوتين منَح ضيفه بينت، الضوء الأخضر للاستمرار في الهجمات في سوريا، حتى لو كانت بعض تلك الهجمات تقع في مناطق تُعتبر «محميّات روسية»، شرط أن لا تمسّ الجنود والمواقع التابعة لموسكو.
ويأتي العدوان الإسرائيلي الأخير في وقت يزور وفد سوري برئاسة وزير الخارجية، فيصل المقداد، العاصمة الإيرانية طهران، حيث يناقش مع الجانب الإيراني مجموعة من القضايا، على رأسها التعاون بين البلدين والاعتداءات الإسرائيلية، التي شدّد المقداد على أنها «لن تمرّ من دون الرد عليها»، موضحاً أن «سوريا تردّ بأشكال مختلفة على الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك أحياناً من خلال ملاحقة فلول العملاء». وأشار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من جهته، إلى أن إيران «لا ترى أن التصرّفات الإسرائيلية تصبّ في صالح المنطقة»، مضيفاً أنه «في الأشهر المقبلة ستشهد منطقتنا تطوّرات جديدة». طهران استقبلت، في وقت متزامن أيضاً، مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، الذي وجّه دعوة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لزيارة الإمارات، في تطوّر جديد ولافت في الموقف الإماراتي الذي يتصدّر المشهد العربي في الوقت الحالي، والذي اعتبره المقداد «موقفاً جريئاً».
صعّد الجيش السوري والطائرات الحربية الروسية من وتيرة استهداف الفصائل المسلّحة في ريف محافظة إدلب
في غضون ذلك، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية، «سانا»، أن رتلاً عسكرياً أميركيا تعرّض للاستهداف بعبوتَين ناسفتَين في منطقة اليعربية المتاخمة للحدود العراقية شرق محافظة الحسكة. وأضافت الوكالة أن آليات الاحتلال أصيبت بأضرار كبيرة نتيجة الاستهداف. وزادت الولايات المتحدة من وتيرة نشاطها العسكري في سوريا خلال الشهرين الماضيين، حيث استقدمت تعزيزات عسكرية إلى مواقع عديدة، وبدأت تنفيذ تدريبات جديدة للفصائل التابعة لها، وبشكل خاص في منطقة التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، بعد أن تعرّضت قاعدتها لقصف بطائرات مسيّرة قبل نحو شهر ونصف شهر، ردّاً على هجوم إسرائيلي انطلق من تلك المنطقة واستهدف مركز مبيت عسكرياً تابعاً لـ»قوات حلفاء سوريا» في محافظة حمص.
ميدانياً أيضاً، صعّد الجيش السوري والطائرات الحربية الروسية من وتيرة استهداف الفصائل المسلحة في ريف محافظة إدلب، على تخوم طريق «M4» الذي يربط حلب باللاذقية، من دون أن تطرأ أيّ تغيّرات على خريطة السيطرة. كما شهدت نقاط التماس بين مواقع «قسد» والمناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال وشمال شرقي البلاد تبادلاً للقصف. ويشهد الميدان السوري حالة «ستاتيكو» في الوقت الحالي، في انتظار اللقاء المرتقب للدول الضامنة لـ»مسار آستانا»، والذي ذكرت الخارجية الكازاخستانية أنه سيتمّ عبر الإنترنت يومي 21 و22 كانون الأول الجاري، بمشاركة ممثلين عن روسيا وإيران وتركيا، إضافة إلى ممثلين عن دول أخرى بصفة مراقبين.
على خطّ موازٍ، أعادت جامعة الدول العربية تأكيد استمرار مساعيها لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة. وقال الأمين العام المساعد للمنظمة، رئيس مركز تونس محمد صالح بن عيسى، إن الجامعة «تساند بقوة» عودة مقعد سوريا مرّة أخرى في القمّة العربية المقبلة التي ستنعقد في الجزائر في آذار 2022، مشيراً إلى أن «عدداً من الدول العربية، وفي مقدّمتها مصر والجزائر وتونس والعراق، تعمل على إعادة سوريا إلى الجامعة على الرغم من وجود معارضة من قِبَل بعض الدول العربية الأخرى»، في إشارة إلى قطر التي تعارض بشكل علني هذه العودة، والسعودية التي لا يزال موقفها غير حاسم في هذا الشأن.