صندوق النقد الدولي والانتخابات النيابية خطان متوازيان لا يلتقيان. فلا يمكن تنفيذ شروط الصندوق، فيما يتوجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع.
الصندوق أو الغذاء
لذا يدخل لبنان مرحلة تحول كبرى، وهو أمام خيارين: إما إقرار خطة جدية متكاملة مع صندوق النقد وتنفيذها، مرورًا بمراحل صعبة في رحلة الألف ميل على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، والمرتبطة بالإصلاح المالي والاقتصادي. أو استمرار حال الإنكار وتضييق الخيارات المتاحة، ليصبح لبنان بلدًا يعتمد اعتمادًا تامًا على المساعدات الإنسانية.
والمنح كلها التي تصل إليه أبرز مثال: فهي تصل كمساعدات غذائية أو إنسانية فقط.
أثبتت التجارب العالمية كلها أن الدول الديمقراطية والتي ترتكز على الانتخابات، أثَّر فيها التعامل مع صندوق النقد على خيارات الناس والناخبين تأثيرًا كبيرًا، فأدى إلى تغييرات جذرية في بنية الطبقات الاجتماعية والسياسية. والمثال على ذلك اليونان والأرجنتين.
شروط الصندوق والمجهول
تنطلق الحكومة اللبنانية اليوم من توقيع اتفاق أولي أو اتفاق موظفين مع صندوق النقد الدولي. وكانت بنود هذا الاتفاق واضحة ولا تحتمل أي تأويل. ومنها سلسلة كبيرة من الإجراءات الاقتصادية والخطط المالية والقوانين التي يجب على الحكومة ومجلس النواب تعديلها أو وضعها وإقرارها: إقرار قانون الكابيتال كونترول، تعديل السرية المصرفية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، تقييم وضع المصارف الكبرى، توحيد أسعار الصرف، ووضع خطّة إصلاح اقتصادي- مالي تشمل إعادة هيكلة القطاعات الحيوية، مثل الاتصالات والكهرباء وترشيد القطاع العام.
إقرار هذه البنود شرط أساسي لعرض برنامج دعم لبنان على مجلس إدارة صندوق النقد. فإذا لم تقدم الحكومة والمجلس النيابي على ذلك، لن تُعرض أي خطط لمساعدة لبنان على إدارة الصندوق. عليه، ونظرًا إلى مسار الاستحقاقات المقبلة في لبنان، فإذا لم تقر هذه البنود قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، سوف تؤجل إلى ما بعد الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة. لكن لبنان تعوَّد الدخول في المجهول لدى تعذر قدرته على إنتاج حكومة جديدة وتوفر الظروف السياسية اللازمة لذلك، ربطًا بالاستحقاق الرئاسي. وفي عدم التوافق السريع على تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد، تصير الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال. وهذا يعني تأجيل برنامج التفاوض مع الصندوق إلى العام المقبل.
دوامة.. وانفجار
ومع تدهور القطاع العام، والوضع المزري للقطاعات الأساسية، كالكهرباء والاتصالات، والأمور الحيوية كالأمن والغذاء، يستحيل صمود لبنان على هذه الحال حتى العام 2023. لذا يدور حديث حول سعي الحكومة لإقرار سعر جديد للدولار الجمركي. وهذا مستحيل قبل الانتخابات النيابية، نظرًا لزيادة الأسعار التي تحصل. هنا يمكن تكرار مشاهد الصدامات بين المواطنين والنواب. وبذلك يكون مشهد الاشتباك البسيط الذي حصل الأسبوع الفائت على مداخل مجلس النواب بين المتظاهرين ونائب رئيس المجلس، نوعًا من اختبار أولي لما يكون عليه الوضع في حال الاستمرار بهذا المسار.
على وقع هذه التطورات، تشير معلومات إلى استمرار توفر الظروف المعوقة لإجراء الانتخابات: من الكهرباء إلى الإضرابات، إلى عدم توفير الإنترنت والاتصالات لمراكز الفرز.
لذلك يبقى السؤال: إذا استمرت هذه الدوامة بين التفاوض مع صندوق النقد وإجراء الانتخابات أو تأجيلها، فإن انفجارًا اجتماعيًا قابلًا للحصول في أي لحظة، لدى استشعار الناس أن خبزهم وحياتهم مهددان. واللحظة هذه شديدة التعقيد دوليًا وإقليميًا: تعثر مفاوضات فيينا، والحرب في أوكرانيا. لذا، لا مؤشرات على إمكان الرهان على أي مسار إقليمي أو دولي.