احتفل راعي أبرشيّة بيروت المارونيّة المطران بولس عبد الساتر برتبة سجدة الصليب في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في بيروت، عاونه فيها الخوري جاد شلوق بمشاركة المطران بولس مطر، وبحضور أهالي ضحايا وجرحى انفجار مرفأ بيروت وحشد من المؤمنين.
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد الساتر عظة جاء فيها: “إخوتي وأخواتي، نجتمع في هذا الوقت لنحتفل ككنيسة واحدة برتبة “سجدة الصليب” علامة التنازل والمحبة اللامتناهية وليس “بدفن المسيح” كما نقول بالعامة وذلك لأنَّ المسيح قام من بين الأموات وهو حيّ فلا وجوب لدفنه ولا حاجة للحداد عليه.
نحتفل بهذه الرتبة لا بالحزن والدموع بل بالحبّ والرجاء إذ فيها نتأمل حب الله الثالوث العظيم لكلِّ واحد وواحدة منّا على الرغم من ضعفنا وخطيئتنا وفيها نعبِّر عن حبنا لله الثالوث على الرغم من ضعفنا وخطيئتنا.
في هذه الرتبة نتذكَّر أنه ومن بعد موت الرب وقيامته صار الموت جسرًا نعبر فوقه نحن المؤمنين لندخل قلب الله فنترجّى قيامتنا وأحباءنا.
ليس من زمن طويل، سألتني إحداهنَّ: “لماذا يموت الأوادم باكرًا”؟ وأكمل أنا فأقول: “ولماذا يطول عمر السيئين”؟ وعلى هذا السؤال أجيب وأنا أعي تمامًا أن الموت قاسٍ وأنه يسبِّب حزنًا كبيرًا لنا نحن الأحياء من بعد غياب من نحبّ ومن نحتاج إلى وجودهم فيما بيننا: إذا كنّا نؤمن حقًا بالمسيح القائم وبأنَّ الموت جسر إلى قلب الله، وإذا كنّا نصدِّق أن موتانا المؤمنين يعيشون في قلب الله وفي قلب الجماعة فإنَّ موتهم باكرًا هو مكافأة لهم وهو خير لهم مهما كان صعبًا علينا. وإذا كان عمر السيئين يطول فدعونا لا نتكدَّر من ذلك بل لنفرح بأن الربَّ يعطيهم الوقت ليتوبوا ويعطينا الوقت لنصليّ على نية عودتهم عن ضلالهم فغاية الرب وغايتنا هي خلاص كلِّ إنسان.
بعد قليل سنسير في زياح لإكرام الصليب علامة الحب والمجد، وسيحمل الرداء الذي عليه الصليب بعض من جرحى وأهالي ضحايا إنفجار مرفأ بيروت. اخترناهم لأنهم مدعوون ليكونوا علامات حيَّة على انتصار الحياة على الموت وعلى انهزام الكراهية والشرّ أمام الحب والخير. ولهم أقول: لا تبغضوا ولا تحقدوا، بل ثقوا بالربّ الذي تجسّد ومات وانتصر بقيامته على كلِّ موت. سنكمل وإياكم درب الجلجلة وسنحمل معكم صليب ألمكم حين يثقل عليكم. نحن نحبّكم ولم ننسكم ولا من سقطوا من أحبائنا في ٤ آب ٢٠٢٠.
وللمسؤولين السياسيين والمدنيين والعسكريين أقول: لا تغسلوا اياديكم من دماء الضحايا والجرحى كما فعل بيلاطس من دم الربّ. ولا تملّوا من السعي إلى كشف الحقيقة وهوية المسؤولين. تذكّروا أنَّ الله يسمع صراخ دم الأبرياء وأنَّ عدالة السماء لا ترضخ لنافذ أو لمستقوٍ.
وللمسؤولين السياسيين والمدنيين أقول: لا تعود الحياة إلى شوارع بيروت بعودة فتح أبواب المقاهي والمطاعم والملاهي فيها ولا بهدم ما يذكِّر بانفجار ٤ آب، بل بحماية سكان بيروت من كلِّ تعدٍ على حياتهم وأملاكهم وسكينتهم، من كلِّ من يتاجرون ببيوتهم وبأحزانهم ومن يستبيحون مضاجعهم بضجيجهم وصخبهم في سعيهم المفرط خلف المال واللهو. ألا يكفيهم قهرًا وظلمًا وتهجيرًا؟ وأعود وأكرِّر أن بيروت لن تعود مدينة الإنسان قبل معرفة الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
وإليك أيها الرب المتألم المنتصر على الموت نصرخ: إرحمنا وارحم العالم أجمع!”