أتى الاجتماع الموسّع لما يعرف بـ “لقاء الأحزاب والشخصيات الوطنية” مخيّباً للآمال التي عقدها عليه “حزب اللّه” للتخفيف من عزلته السياسية، والإيحاء بوجود التفاف وطني حوله، رغم كل التحضيرات التي سبقت انعقاده، وعملية الترويج الإعلامي لولادة تجمّع “8 آذار” بطبعة جديدة منقحة.
“لقاء الأحزاب والشخصيات الوطنية”، الذي يعدّ واحداً من الأجسام السياسية المنضوية تحت راية “الحزب”، ويقوده ويشرف على تطويره منذ سنوات نائب رئيس مجلسه السياسي محمود قماطي، أراد تسجيل هدف في مرمى “لقاء معراب”، ومن خلفه “القوى السيادية”، من خلال إبراز صورة تنوّع سياسي وطائفي ومذهبي ومناطقي، وخاصة عند السنة.
لكنه صدم بهزالة الحضور الذي كان أدنى حتى من نسخه السابقة. ذلك أن الحضور السياسيّ الوازن اقتصر على نائبين من خارج كتلته: طوني فرنجية وجهاد الصمد. يرتبط حضور فرنجية بحسابات والده السياسية واستمرار ترشحه لرئاسة الجمهورية. فيما ينسجم حضور الصمد مع موقفه السياسي الثابت، والذي يتجاوز “حزب اللّه”، ويندرج في الفكر العروبي الكلاسيكي ومحورية القضية الفلسطينية فيه.
عدا عن ذلك، كان لافتاً عدم حضور أي شخصية سياسية طرابلسية لديها حيثية شعبية جدّية. عاصمة الشمال، المدينة التي تعدّ الأكثر تعبيراً عن الوجدان السني ما قدِم منها إلّا رئيس “المجلس الإسلامي العلوي”، الشيخ علي قدور، والأمين العام لـ “حركة التوحيد”، الشيخ بلال شعبان، الذي أجلسه المنظمون في ركن قصيّ من الطاولة العريضة، بما يعبّر عن مدى هامشية الحركة وانعدام وزنها السياسي.
وبالمثل أيضاً بالنسبة إلى محافظة عكّار، فرغم كل ما أنفقه “الحزب” فيها من أموال طائلة، ونشاط اجتماعي وخدماتي، إلّا أنه لم يأتِ منها سوى رئيس “تيار الوفاق العكاري” هيثم حدارة. والمفارقة أن الأخير الذي لا يتمتع بحضور سياسي بارز في منطقته، سبق أن نظم منذ أشهر قليلة لقاء جماهيرياً في بلدته دعماً “للحزب”، كانت فيه شخصيات سياسية واجتماعية ودينية أكثر بكثير من تجمّع كان يراد منه تأسيس “نيو 8 آذار”. الأمر الذي يعكس عمق العزلة “الوطنية” التي يعاني منها “الحزب”، وحالة التهرّب الجماعي من حضور المناسبات والاجتماعات التي ينظمها.
غياب الحلفاء والأصدقاء، والذين كانوا كُثُراً حتى الأمس القريب، واتخاذهم “هامش أمان” يقيهم شرّ المتغيّرات السياسية، يمثل فشلاً ذريعاً لـ “الحزب”، وخصوصاً للمسؤول عن ترتيب العلاقة مع هذه القوى والشخصيات، محمود قماطي، يضاف إلى حالة التخبط والإرباك على مستوى إدارة أزمة النازحين في طرابلس والشمال عموماً، ولا سيّما مع تنصّل الحلفاء وغسل أيديهم من الملف برمّته. علاوة على النفور الواضح في الشارع الطرابلسي من مجموعات “سرايا المقاومة”.
وهذا كلّه يقودنا إلى حقيقة مفادها أن طرابلس “الجيوسياسية”، التي تمتدّ حتى الحدود العكّارية مع سوريا لفظت “الحزب” تماماً، بكل أشكاله وأذرعه. والحال في العاصمة بيروت ليس أفضل بكثير، مع التمثيل الخجول لها في اجتماع يحمل عنواناً برّاقاً “اللقاء الوطني من أجل لبنان”، والذي لم يتجاوز عمامتين، تمثل كل منهما تجمّعاً دينياً سنياً اشتهر بكونه ظهيراً للممانعة بمختلف طبعاتها الرديئة.
ترى أين هم المطبّلون الإعلاميّون الذين كانوا يصولون ويجولون في وسائل الإعلام كـ “الفرسان في ساحات الوغى” لتسويق سرديات عن “الحزب” الذي لا يقهر؟ كلهم انسحبوا من الميدان، وتنكروا لمن صنع هالتهم، ما خلا قلّة محدودة جداً لا يتجاوز عددها أصابع اليدين.
سامر زريق- “نداء الوطن”