نداء الوطن: رفيق خوري
فات الوقت في نهايات العهد على إستمرار الحسابات السياسية التي قادت اللبنانيين منذ البدايات الى “جهنم” وسط تبرؤ الجميع من المسؤولية. حسابات السياسات الفاشلة في إدارة شؤون الناس وتقديم حلول لقضاياها والأزمات. وحسابات الألعاب السياسية التي تبدو في نظر أصحابها ناجحة ورابحة على الصعيد الشخصي. فلا معنى للتقاتل على مقاعد أمامية في قطار معطل يصر المتقاتلون على إبقائه معطلاً لأن تصليحه يضرب مصالحهم. ولا جدوى عملياً من محاولات التكبير بالنفخ والتصغير بالتهجم لإحجام السياسيين على حساب الحجم السياسي للدولة والدور الوطني للبنان.
ذلك أن الطاغي على المشهد هو الإستمرار في ممارسة الصغائر السياسية بدعم من جماعة المشاريع العابرة للبنان، في مرحلة الإنهيار في الداخل، والخطر الوجودي من الخارج، والتحولات الكبيرة في المنطقة والعالم إنطلاقاً من حرب أوكرانيا ومضاعفاتها على الكبار قبل الصغار. وما نراه هو التلاعب بالأولويات التي لم يعد الهرب منها مجرد لعبة تشاطر سياسي بمقدار ما صار بداية النهاية للجمهورية والحكومات والرئاسات. فلا مرة كانت مهمة الحكومة واضحة ومحكومة بوقت محدد كما هي مهمة الحكومة المطلوب تأليفها حالياً. ولا مرة كانت رئاسة الجمهورية في حاجة الى خيار دقيق في ضوء التجارب والمهام مثل الرئاسة العتيدة المفروض إنتخابها.
لكن ما يبدو أمامنا هو محاولات لتكرار ما حدث بعد إنفجار المرفأ ومجيء الرئيس إيمانويل ماكرون الى بيروت وموافقة أمراء الطوائف الذين إجتمع بهم في قصر الصنوبر على تأليف “حكومة لمهمة” محددة مؤلفة من “إختصاصيين مستقلين”: إنقلاب على الإلتزامات وإصرار على الهيمنة السياسية لجماعة “الممانعة” وزيادة الأزمات سوءاً.
والكل في الداخل والخارج يعرف أن مهمة الحكومة العتيدة هي مواكبة المفاوضات على ترسيم الحدود البحرية لإستثمار الثروة الغازية والنفطية، التوصل الى إتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وإعداد مشروع مقبول ومعقول، غير المشروع المختلف عليه حالياً، للتعافي المالي والإقتصادي، والمهمة الملحة للمجلس النيابي هي انتخاب رئيس للجمهورية ضمن موعد الإستحقاق الدستوري.وبدل العمل في هذا السيناريو الطبيعي والضروري، يدور الكلام على سيناريو خطير وغير عادي: الإفتراض سلفاً أنه لن تكون هناك إنتخابات رئاسية، والسعي لتأليف حكومة محاصصة بين النافذين تكون هي البديل من الرئيس وتمارس صلاحيات الرئاسة.
السيناريو الأخطر هو الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال والوصول الى نهاية العهد الحالي من دون انتخاب رئيس، وبالتالي الفراغ الكامل. فراغ لا يستطيع أي طرف أن يملأه. لا بإنقلاب عسكري، ولا بإنقلاب ميليشيوي. نوع من “لامركزية فوضوية” تديرها قوى الأمر الواقع. أما أحاديث المؤتمر التأسيسي، فإنها تقود الى نظام أسوأ أو فوضى أكبر في ظل الموازين الحالية.
وأقل ما ينطبق على الذين يعملون لمثل هذا السيناريو متصورين أنه يخدم طموحاتهم هو ما سماه أستاذ دراسات الحرب لورتس فريدمان: “النجاح الكارثي”.