“الحرب ليست عبر السلاح فقط”، بهذه العبارة يختصر الرئيس السابق لمكتب مكافحة المخدرات وتبييض الأموال في الجمارك اللبنانية، العقيد نزار الجردي، أسباب استمرار تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية وبعض دول الخليج.
وأوضح الجردي، في حديث لموقع “الحرة”، أن “حزب الله والنظام السوري لا يهربان المخدرات بغاية مالية فقط، وإنما لضرب جيل كامل من الشباب في الخليج العربي”.
وشدد على أن “تجارة المخدرات هي الطريق الأسهل للحزب اللبناني، حليف نظام بشار الأسد”، لا سيما في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما.
وفي وقت فرضت فيه السعودية حظرا على جميع الواردات اللبنانية منذ أكتوبر الماضي، بعدما كانت قد حظرت هي ودول خليجية أخرى (عُمان والبحرين والكويت والإمارات) استيراد الفواكه والخضار من لبنان، تستمر عمليات التهريب غير الشرعية، فما الجدوى من الحظر المفروض؟
يجيب الجردي قائلا: “قرارات الحظر الخليجية أثبتت فشلها في الحد من تهريب المخدرات ووصولها إلى منافذها، وذلك لأن طرق التهريب والإيصال غير الشرعي عدة ولا يمكن ضبطها بهذا الشكل”.
وأضاف أن “قرار حظر المواد الزراعية لا يفيد، لأنه يمكن تخبئة الحبوب المخدرة بطرق وأساليب عدة، ولكن الأهم هو أن خط التهريب لم ينقطع بسبب تحوله إلى دول أخرى مثل الأردن”.
وكلام الجري يتوافق مع مقال رأي للمحللة السياسية بمركز “نيو لاينز” للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، كارولين روز، في مجلة “فورين بوليسي”، حيث اعتبرت أن “الشحنات المهربة من الكبتاغون، تمر عبر الطرق البرية في الأردن ولبنان، وكذلك المعابر البحرية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وذلك لإغراق موانئ الدخول في الخليج”.
واعتبرت روز أن ارتفاع عدد الشحنات المهربة “يشكل تحديا واجه أنظمة الجمارك ووزارات الداخلية ولكن قرار فرض حظر شامل على الواردات اللبنانية له نتائج عكسية”.
طرق التهريب تغيرت
وترى المحللة السياسية أن “الجهات غير المشروعة استخدمت أساليب تهريب متقدمة، حيث أخفت ملايين الحبوب داخل الرمان التي يُعتقد أنها نشأت في سوريا، ولم يتم اكتشاف الكبتاغون من قبل سلطات إنفاذ القانون أثناء مروره عبر لبنان إلى السعودية”.
وفي أبريل الماضي، أعلن المتحدث باسم المديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية، النقيب محمد النجيدي، عن إحباط محاولة لتهريب مليونين و466 ألف قرص إمفيتامين مخدر كانت مخفية داخل شحنة رمان قادمة من لبنان.
وأوضح النجيدي أن العملية تمت نتيجة “للمتابعة الأمنية الاستباقية لنشاطات الشبكات الإجرامية التي تمتهن تهريب المواد المخدرة إلى المملكة”، مضيفا أنه تمت متابعة الشحنة وضبطها بالتنسيق مع الهيئة العامة للجمارك، وذلك بميناء الملك عبد العزيز في مدينة الدمام شرق السعودية.
وشددت روز على أن “الحظر الشامل لم يفعل شيئا للحد من تجارة المخدرات غير المشروعة، حيث تكيف المهربون مع هذا القرار الخليجي إما باعتماد أساليب جديدة لتمويه أقراص الكبتاغون أو استخدام طرق تهريب جديدة خارج لبنان، في المقام الأول عبر الأردن أو العراق”.
وبحسب روز، فإن “هناك ارتفاعا ملحوظا في المضبوطات في ميناء الحديثة البري في السعودية، الواقع على طول الحدود مع الأردن، مما يشير إلى أن مهربي الكبتاغون قد بدأوا في زيادة حركة المرور على الطرق البرية من سوريا عبر الأردن لتجاوز الحظر”.
ولم تستجب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في السعودية لطلب موقع “الحرة” الحصول على تعليق.
ويتعرض لبنان باستمرار لانتقادات من دول الخليج بسبب ما تعتبره عدم تعاون في مكافحة تهريب المخدرات، وخصوصا الكبتاغون الذي يوجَّه أساسا نحو السعودية.
والخميس الماضي، قالت شرطة دبي إنها أحبطت تهريب أكثر من مليون قرص كبتاغون بقيمة 15.8 مليون دولار في شحنة استيراد ليمون واعتقلت أربعة أشخاص من جنسية عربية.
وتابع بيان شرطة دبي أن الشحنة “قادمة من إحدى الدول العربية” التي لم تسمها، لكن فرانس برس ذكرت أن صور العملية المنشورة تظهر عبارة “صنع في لبنان” على الصناديق المحجوزة.
وكانت السعودية قد أعلنت، في أبريل، تعليق واردات الفاكهة والخضروات من لبنان بعد مصادرة أكثر من خمسة ملايين حبة كبتاغون مخبأة في شحنة رمان، واتهمت بيروت بالتقاعس.
ثم صادرت المملكة في يونيو، بالتنسيق مع السلطات اللبنانية، 14.4 مليون قرص أمفيتامين مصدرها لبنان.
بدورها، انتقدت الخارجية الكويتية، في أكتوبر، الحكومة اللبنانية لـ “عدم اتخاذ.. الإجراءات الكفيلة لردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة لآفة المخدرات”، بعد رصد شحنة مماثلة.
“الحل يكمن في الطلب الداخلي”
وعن السبب وراء فشل قرار الحظر، اعتبرت روز في مقالها أنه لا بد على السلطات المعنية في الخليج ” أن تدرك أن أي استراتيجية ناجحة يجب أن تعالج أسواق المستهلكين المتنامية”، معتبرة أن “معالجة جانب الطلب في معادلة الكبتاغون أمر بالغ الأهمية لمكافحته”.
وفي هذا الخصوص، يوضح الاخصائي الاجتماعي السعودي، محمد الحمزة، في حديث لموقع “الحرة”، أنه “وفقا لآخر الدراسات العلمية في جامعة الملك فيصل، فهناك خمسة أسباب رئيسية وراء تعاطي الشباب للمخدرات والإدمان عليها”.
وتابع الحمزة: “رفقاء السوء، والتفكك الأسري، والفراغ، وضعف الوازع الديني، بالإضافة إلى الاضطهاد الطفولي الذي اعتبرته الدراسة أبرز الأسباب لإدمان المخدرات في السعودية”.
وأقر بأن “هناك عصابات للمتاجرة بالمخدرات وترويجها، وهذا نتيجة الهجمات السياسية الخارجية على دول الخليج”.
ولكنه أصر على أن “ضبط سوق المستهلكين يتحقق بوجود برامج التوعية والتثقيف، الأنظمة والقوانين الرادعة، فضلا عن وجود تدقيق عال في منافذ الجمارك تجاه البضائع المستوردة وكشف طرق التهريب”، مشيدا بجهود المؤسسات الحكومية الأمنية والقضائية والصحية في الحد من هذه الظاهرة.
وعن الحل الأنسب لوقف عمليات التهريب، يشدد العميد اللبناني على أن “الدولة لا تريد اتخاذ القرار بوقف صناعة وتصدير المخدرات، لأنها لا تملك الجرأة على ذلك”، مقترحا على السعودية ودول الخليج “عدم تجاهل لبنان”.
وأشاد الجردي بوجود “ضباط نزيهين، يعتمدون على التفتيش اليدوي للكشف عن المواد المخدرة وخير دليل على ذلك شحنة البرتقال الأخيرة”، طالبا من السعودية “تزويد لبنان بخمس أجهزة للمسح الضوئي (سكانر)، وذلك لرصد وكشف المخدرات لمنع تهريبها من مصدرها”.
والأربعاء الماضي، أعلنت شعبة مكافحة المخدرات بالمديرية العامة للجمارك اللبنانية في بيان، عن ضبط كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون مخبأة ضمن فواكه اصطناعية، وموضبة في صناديق حمضيات بهدف التمويه.
وأوضح بيان الشعبة أن المخدرات كانت معدة للتهريب من مرفأ بيروت باتجاه إحدى دول الخليج.
الحظر الاقتصادي “لن يعود بفائدة”
واقتصاديا، يرى الجردي أن “قرار الحظر استهدف المزارعين والاقتصاد اللبناني”، مشددا على أن “استهداف الحكومة اللبنانية وإضعافها لن يجدي نفعا في مجال مكافحة المخدرات”.
وكذلك وافقت روز على أن ضعف الاقتصاد يؤثر على قدرة الدولة في كبح تجارة المخدرات، مشيرة إلى أن “الحظر السعودي له تأثير مدمر على المنتجين الزراعيين والاقتصاد في لبنان، حيث أدى عدم الوصول إلى أحد أكبر شركاء التصدير في لبنان إلى انخفاض أسعار المحاصيل، مما أجبر المزارعين اللبنانيين لتهريب منتجاتهم إلى سوريا لإعادة تصديرها إلى السعودية”.
وتابعت: “القرار الذي حرم البلاد من أكثر من 5.6 في المئة من إجمالي صادراته، دفع بعض المزارعين إلى التحول لمحاصيل أقل كثافة في رأس المال مثل القمح وحتى المواد غير المشروعة مثل حشيشة الكيف”.
ويشهد لبنان على أضخم أزمة مالية في تاريخه، حيث عمّقت كارثة انفجار المرفأ وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف 2019.
وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة.