في كل عام، ومع اقتراب فصل الشتاء، يعود الحديث عن الطرقات المتضرّرة والحفر المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، وكأنّ الأزمة تتكرّر بلا حلول جذرية. المواطن الذي يدفع ثمن الأعطال في سيارته من جيبه، يجد نفسه أمام شبكة طرق تحوّلت في بعض الأماكن إلى مصائد، تضع سلامته على المحكّ، وتكشف هشاشة البنى التحتية، وغياب الصيانة الدورية المستدامة.
ولأنّ ملف الطرق ليس تفصيلاً خدماتياً عابراً، بل قضية سلامة عامة ومسؤولية مشتركة، تبرز الحاجة إلى مساءلة واضحة حول الجهة التي تتحمّل فعليا مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الطرقات: هل هي وزارة الأشغال التي تُعنى بالمحاور الرئيسية، والطرق العامة تحت إشرافها المباشر؟ أم البلديات التي تُعدّ السلطة المحلية الأولى المكلفة قانونا بمتابعة المسالك الداخلية والفرعية ضمن نطاقها الإداري؟
اضرار هيكلية «خطرة»!
من هنا، لابدّ من التذكير بأنّ العديد من الأضرار – من انهيارات محلية أو حفريات أو تلف جوانب طرق – تقع ضمن صلاحيات البلديات، التي تتقاضى من المواطنين رسوما وضرائب، مخصصة جزئياً لأعمال الصيانة والخدمات العامة. وبالتالي، فإنّ تحميل وزارة الأشغال وحدها تبعات هذا التردّي، يُعدّ خلطًا في الصلاحيات لا يخدم المصلحة العامة، خصوصا وأنّ دور الوزارة يتركّز على الإشراف والتنسيق ورسم السياسات العامة، إضافة إلى تنفيذ المشاريع الكبرى أو الطارئة ضمن نطاق مسؤوليتها.
توثيقات تفضح «التلكؤ»
وفي ظلّ شكاوى المواطنين التي وصلت إلى «الديار»، وما تتضمّنه من مقاطع مصوّرة تُظهر أضرارا فادحة في سياراتهم، نتيجة الحفر والبؤر على الطرق، يصبح من الضروري الوقوف عند خطة الطوارئ، التي تنوي الوزارة اعتمادها قبل موسم الأمطار، لمعالجة ما يمكن معالجته سريعا، وتفادي تكرار المشهد السنوي نفسه. كذلك تبرز أهمية المساءلة حول أداء المتعهدين وآليات المتابعة والمحاسبة، ومدى توافر الاعتمادات المالية الكفيلة، بتطبيق برامج صيانة حقيقية وشفافة وواضحة للرأي العام.
من هنا، نقل «الديار» استفسارات وهواجس المواطنين الى الجهات المعنية، لا يأتي من باب النقد لمجرّد النقد، بل من باب البحث عن إدارة أكثر كفاءة للموارد والمهام، وعن رؤية متكاملة تتعاون فيها الوزارة مع البلديات والجهات الرقابية، لتتحوّل الصيانة من ردّ فعل، إلى سياسة وقائية دائمة تضمن سلامة الطرق وسلامة المواطن معا.
خطة الطوارئ قبل موسم
الأمطار «بدها خطة»!
انطلاقا من الواقع الميداني الذي تظهره الشكاوى اليومية، ومن حجم التدهور في شبكة الطرق، تبدو الحاجة اليوم إلى استراتيجية طوارئ شاملة وسريعة أكثر من أي وقت مضى. فالمسألة لا تتعلّق فقط بترقيع الحفر أو إصلاح جزء من طريق متآكل، بل بوضع آلية متكاملة للاستجابة السريعة، تتوزّع فيها المسؤوليات بين وزارة الأشغال والبلديات والمتعهدين، ضمن إطار تنسيقي واحد يضمن فعالية التنفيذ وسرعة المتابعة.
في جميع الأحوال، تتطلب المرحلة أولا، تحديد أولويات التدخّل بحسب خطورة الأضرار وكثافة الحركة المرورية، ثم تفعيل فرق الصيانة الميدانية وتزويدها بالإمكانات اللوجستية اللازمة، مع إلزام المتعهدين بمهل زمنية واضحة لمتابعة إصلاح المشاريع التي أنجزوها. كما أن الشفافية باتت ضرورة لا ترفا، عبر نشر خرائط وجدول زمني للأعمال، ليبقى المواطن على اطّلاع على ما يُنجز فعليا على الأرض، بدل أن تبقى الصيانة ملفا موسميا يتجدد مع كل أول «شتوة».
بناء على ما تقدم، إنّ خطة الطوارئ المطلوبة، يجب أن تقوم على مبدأ الاستباق لا الاستدراك، بحيث تُترجم مسؤوليات كل جهة ضمن إطار محدّد:
– الوزارة تتولّى الإشراف والتنسيق، وتأمين الاعتمادات للطرق الرئيسية.
– البلديات تتكفّل بصيانة الطرق الفرعية والداخلية ضمن نطاقها.
– المتعهدون يُلزمون بالمواصفات والمتابعة بعد التسليم.
بهذا التكامل فقط يمكن الحدّ من الانهيارات المتكرّرة والتشققات، التي تتحوّل سنويا إلى فخاخ للمواطنين، وإعادة الثقة إلى قطاع يفترض أن يكون عنوان أمان لا مصدر خطر.
«الاشغال» على خط الاصلاحات
من هذا المنطلق، يوضح وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني لـ «الديار»: «ان شبكة الطرق في لبنان عانت لسنوات من غياب الصيانة المنتظمة، ما جعلها متقادمة وغير قادرة على تحمّل ضغط السير وتقلبات المناخ. لكن، كوزارة للأشغال العامة والنقل، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي. لذلك، نعمل اليوم على معالجة الحفر والبؤر، من خلال تدخّل سريع يبدأ بردم الحالات الطارئة، ثم تعبيد دائم عند توافر الظروف المناسبة. كذلك، تنفّذ هذه التدخّلات يوميا تحت إشراف مباشر من الفريقين الفني والميداني في الوزارة، مع تصنيف للمناطق الأكثر تأثّرا وحركة سيرٍ نشطة، ما يتيح الجمع بين رصد الحالة وتحديد الأولويات».
متابعة يومية!
ويقول «لقد أعددنا خطة استباقية متكاملة تشمل تنظيف مجاري تصريف مياه الأمطار، ومراقبة النقاط السوداء على الأوتوسترادات، بالتعاون مع البلديات وشركات الكنس المعتمدة في المناطق. كما أنشأنا فرق طوارئ ميدانية جاهزة للتدخّل الفوري عند الحاجة، وبدأت عمليات الرصد منذ ما قبل موسم الأمطار. وفي هذا الصدد أطلقنا حملة وطنية للتوعية بمخاطر رمي النفايات عشوائيا في المجاري، باعتباره السبب الأول لانسدادها وتفاقم الفيضانات. كذلك قمنا بتلزيم متعهّدين لتنظيف المجاري وقنوات تصريف مياه الأمطار والمصبات النهرية».
ويضيف «في ما يتعلّق بعملنا، يخضع المتعهّد الذي نُبرم معه عقدا، لرقابة فنية وميدانية صارمة يُمارسها مهندسو الوزارة المختصّون، إلى جانب مكاتب استشارية متعاقدة مع الوزارة، للإشراف على جميع الأشغال ومساندة الفريق الفني. وفي حال عدم الالتزام بالمواصفات، يُطلب من المتعهّد إعادة العمل، وإذا فشل لا تُجدَّد الوزارة التعاقد معه».
مشاريع على نار حامية!
ويكشف : «أطلقنا مشروع «لبنان على السكة»، وهو خطة شاملة لصيانة وتأهيل الطرقات والجسور والأنفاق على امتداد الأراضي اللبنانية، تُنفَّذ ضمن موازنة الوزارة للعامين 2024–2025. وقد بدأنا بخطوات ملموسة، تشمل إنارة الأنفاق الاستراتيجية وصيانة المقاطع الأكثر خطورة على الأوتوسترادات الساحلية والدولية».
يضيف: «كما طلبتُ من مجلس الوزراء اعتماد نحو 800 مليون دولار لموازنة عام 2026 لتنفيذ أعمال، تهدف إلى تحسين كفاءة شبكة الطرق المصنَّفة. أولينا اهتماما خاصا للمناطق الأكثر تضررا، وهي قيد المتابعة اليومية ضمن برنامج العمل، بالتوازي مع ترشيد الإنفاق والتعاون مع الجهات المختصة لضمان التنفيذ الفعلي».
الشفافية تبدأ بالمحاسبة!
ويؤكد رسامني: «نلتزم بمبدأ الشفافية، فالأعمال موزّعة على مختلف المناطق اللبنانية، وتُنجَز بوتيرة متزامنة. تعمل الوزارة على الإعلان المنتظم عن الورش القائمة والمقاطع قيد الإنجاز، ويقوم المكتب الإعلامي باطلاع المواطنين باستمرار على الأشغال المنفذة. كما نفتح بوابة تفاعلية لتلقي ملاحظات المواطنين واقتراحاتهم. بناء على ما تقدم، تنطلق هذه الخطوة من إيماننا بأن إدراك المواطن يُسرّع القرار، ويعزز المساءلة، ويجعل البنية التحتية شأنا وطنيا مشتركا بين الدولة والمواطن، برؤية واضحة ومسؤولة».
ويضيف «ننفّذ عملية متابعة منتظمة ومخططة للجسور عبر كشف فني دوري. على سبيل المثال، أنجزنا صيانة فواصل التمدد والانكماش على عدة جسور، منها جسر الغزير وجسر الفيدار، وسنقوم بصيانة جسري الغدير والمصيلحة ضمن خطة صيانة وقائية منهجية. كما تتضمن عقود المتعهّدين شروطا واضحة، تلزمهم بفترات محددة للصيانة الدورية».
ويختم حديثه قائلا: «نقوم بكل ما في وسعنا ضمن الصلاحيات والموارد المتاحة، لكنّ التحديات تفوق الموازنات المرصودة للوزارة. لكن في مقابل ذلك، نحن وضعنا خطة خمسية لإعادة تأهيل شبكة الطرق المصنفة في لبنان، والبالغة نحو 6500 كلم. لذلك، أدعو إلى شراكة ذكية بين المواطن والدولة والمجتمع المدني، فالتغيير لا يكتمل بمعزل عن التزام كل فرد. السلامة هي عنوان هذه المرحلة، ونحن ملتزمون بتوفير بنية تحتية آمنة ومستدامة. كما نحتاج إلى احترام القوانين المرورية، والحفاظ على المجاري، وعدم رمي النفايات عشوائيا، والتعاون مع البلديات والوزارة في رصد المشكلات والإبلاغ عنها. بهذه الطريقة فقط ننتقل من الشكوى إلى الحل، ومن المعاناة إلى الوقاية، ومن الأزمة إلى البناء».


