كتبت ندى ايوب في” الاخبار”: حين قرّر حزب الله إحياء ذكرى استشهاد السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين في منطقة الروشة، عبر عروض بحرية وموسيقية، كان الهدف إعطاء المناسبة بعداً وطنياً جامعاً، بعيداً من المناطق المحسوبة عليه سياسياً أو طائفياً كالضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع.
فجاء اختيار بيروت، قلب البلد وعاصمته التي «إذا كبرت بتساع الكل»، تأكيداً على أنها مدينة جميع اللبنانيين، لا أنها حكرٌ على أهلها ولا على أي طائفة أو حزب. غير أن قرار رئيس الحكومة نواف سلام بالتشدّد في منع استخدام الأملاك العامة، جرّد بيروت من صفتها الجامعة، وفتح الباب أمام المتطرفين ليصبّوا أحقادهم السياسية والطائفية على المنابر، مانحاً إياهم الضوء الأخضر لشحن الجماهير ودفعها إلى مزيد من التراشق والانقسام.
لا ينطلي على أحد تلطّي سلام خلف القوانين والأنظمة وتلاعبه بها، خصوصاً أن استخدام الأملاك العامة بهذا الشكل لا يستلزم عادة تصاريح مُعقّدة. جوهر القضية أبعد من الإجراءات الشكلية: أن يرفض إبراز صورتَي السيدين نصرالله وصفي الدين في معلم من معالم العاصمة يعني أن هويّة هذين الرمزين الوطنيين تُقْصَر عمداً داخل أطر حزبية وطائفية ضيقة، علماً أن جزءاً من اللبنانيين يراهما رمزيْن يتجاوزان حدود الحزب والبيئة الطائفية. المقصود هنا واضح: إبقاء قادة المقاومة ضمن بُعد محدود يسهل من خلاله تجريمهم والتعاطي معهم كقضية أمنية أو سياسية ضيقة، بدل الاعتراف بمكانتهم كوجوه تحمل بعداً وطنياً جامعاً.
سلام، الذي يحب أن يقدّم نفسه كوجه من خارج الصالون السياسي التقليدي، يتصرّف بعقلية زعيم من زمن الحرب الأهلية، وبمنطق الكانتونات الطائفية. سمح لليمين التقليدي والجديد (من «البيارتة» إلى بعض نواب «التغيير» والصدفة والناشطين «السياديين») أن يوجّهوا رسالة إلى حزب الله وبيئته، وإلى الشيعة عموماً: «لديكم الضاحية الجنوبية، فاذهبوا واحتفلوا هناك، أشعلوا مصابيحكم ضمن حدودكم الجغرافية، أمّا بيروت فليست لكم». لكنّ تاريخ هذه البيئة مع العاصمة لا يبدأ من الأمس، بل منذ اجتياح 1982، حين كان شبانها، أمثال إبراهيم عقيل ومصطفى شحادة، أول من واجه العدو قبل أن يصبحوا قادة في المقاومة. وهذه البيئة لم تنعزل كما فعل غيرها قبل أربعة عقود ولا يزال يقتات على تخويف جمهوره من الآخر.
وحتى عندما خرجت المقاومة وبيئتها من الحرب الأخيرة وسط حصار سياسي واقتصادي ومالي واجتماعي خانق ومحاولات إقصاء عن الحياة السياسية، وكانت لديها كل الأسباب للانعزال، رفضت الانكفاء، وقرّرت خوض الانتخابات البلدية في بيروت بروحٍ جامعة، لا فئوية، وصبّت 20 ألف صوت لضمان المناصفة المسيحية – الإسلامية في المجلس البلدي للعاصمة. وليتذكّر المتبجحون من النواب أنّ أحزابهم ما كانت لتحظى بمقاعد في بلدية بيروت لولا أصوات هذه البيئة بالذات.