تتقدم سوريا إلى واجهة الأحداث. رهانات لبنانية كثيرة ترتبط بالتطورات السورية. ثلاثة ملفات أساسية يراقب اللبنانيون مساراتها. ملف الزلزال الذي دفع جهات دولية وعربية إلى التضامن مع السوريين، فسارع وفد وزاري لبناني إلى زيارة دمشق ولقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد. ملف الاهتمام العربي بالوضع في سوريا، وسط مساع لإعادة التواصل، وهو ما اختصره كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، حين ردّ على سؤال حول زيارته إلى سوريا بالقول: “لا أعلق على شائعات، ولكن هناك إجماعاً عربياً على أن الوضع في سوريا لا يجب أن يستمر هكذا”. أما الملف الثالث، فهو تجدد الضربات الإسرائيلية واستهداف مبنى في منطقة كفرسوسة، وهي منطقة تمثّل عمقاً أمنياً وعسكرياً.
التنافس على سوريا
حتى الآن لا تشير هذه العمليات الأمنية إلى حصول تحول في المسارات السياسية، إذ كل ما يجري هو عبارة عن عمليات أمنية مستمرة بشكل متقطع، لها وظائف تقليدية، ولكن ربما يكون لها تداعيات غير تقليدية. ما يعني أن العمليات تأتي في وقت ضائع، أو في مرحلة ما قبل اتخاذ قرارات أساسية من شأنها أن تقود إلى تكريس وجهات سياسية مختلفة في المنطقة.
هذه الملفات الثلاث تدفع إلى ضرورة مراقبة تطورات المنطقة، سواء كانت تصعيدية فعلية، أم أن التصعيد الكلامي والتهديدات تتعلق بالبحث عن فتح مسار سياسي جديد، خصوصاً أن الثوابت العربية المعلنة حول إعادة العلاقة مع دمشق، تختصر بضرورة خروج النظام السوري من العباءة الإيرانية. وبناء على هذا العنوان العربي، يستمر “التنافس” على سوريا. فطهران التي سارعت إلى تقديم المساعدات لسوريا، معززة بجولة قام بها قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني، تقول إنها موجودة ومستمرة. وإضفاء الطابع العلني لزيارة قاآني هو جزء من الإجابة على كل ما يحكى عربياً. تلك الحركة الإيرانية قابلتها حركة لبنانية أيضاً، بدءاً من زيارة الوفد الوزاري وصولاً إلى زيارة الوفد النيابي اللبناني، وما بينهما من قوافل مساعدات نظمها حزب الله.
الأسد في الخليج؟
في ظل هذه التطورات، تتحدث المعلومات عن زيارة سيقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولتين عربيتين في الأيام المقبلة. إذ سيتوجه الأسد إلى سلطنة عمان، وبعدها إلى دولة الإمارات، حسب ما تقول المعلومات. في لبنان أيضاً، هناك من يراهن على هذه التحركات كعنصر سيفرض تغييراً سياسياً لصالحه، على قاعدة استعادة معادلة “سين-سين”.
وبغض النظر عما إذا كان ذلك وهماً متخيلاً أم يمكنه أن يكون واقعاً، إلا أن السياسة اللبنانية ستتأثر به وبمجرياته. وهو ما سيفرض مزيداً من الانتظار، مع الإشارة إلى أن تجربة السين السين في بيروت بين العامين 2009 و2010 انتهت بانقلاب إيراني قضى على كل مقوماتها.. وقلب الأمور في لبنان رأساً على عقب. ومن يعود إلى أسباب الغضب العربي والخليجي تحديداً من لبنان، والإنفكاء عنه، سيعرف أن الإنقلاب على معادلة السين سين كان الفيصل في ذلك.
الانقسام اللبناني
يندفع لبنان إلى مراقبة تطورات الوضع السوري أكثر فأكثر، بعد تهديدات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للأميركيين والإسرائيليين بالحرب لمواجهة أي فوضى يسعون إلى تعميمها في لبنان. موقف نصرالله لا بد أن يؤشر إلى مسار من إثنين، إما التصعيد لتجنب الحرب وإبقاء الأمور في سياقها السياسي، أو أن التهديدات جدية وقد تمهد لتصعيد يشمل المنطقة ككل. وأياً كانت النتيجة، فإن ذلك سيؤدي إلى تكريس الانقسام اللبناني أكثر، كما هو الحال بالنسبة إلى التعاطي مع الزيارات المتوالية إلى دمشق.
انقسام قائم بين محورين سياسيين، ولكنه أيضاً يتمدد ليشمل أهل البيت الواحد، كما هو الحال بالنسبة إلى العلاقة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، والتي أصبحت بحكم المنتهية، خصوصاً بعد مواقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، والذي لجأ إلى استحضار “الدبابة الإسرائيلية”، ومواجهة الغرب والفوضى في معرض تمايزه عن حزب الله أو هجومه على الحزب.
موقف باسيل ذات السقف المرتفع تجاه الحزب يستهدف ترشيح سليمان فرنجية. إلا أن الرجل ذهب بعيداً في موقفه. إذ يتعاطى مع الحزب وكأنه في حالة ضعف. بالنسبة إلى حارة حريك، فإن هذا النوع من التعاطي يندرج في خانة المحرمات. إذ أن ما ينطبق في مضمون كلامه على الغرب الذي يسعى إلى إشعال الفوضى في لبنان، واستهداف بيئة المقاومة من خلال التضييق مالياً ومعيشياً، قد يلقى رداً تصعيدياً يصل إلى حدود الحرب، لا بد له أن يتطابق أيضاً بمعرض الردّ على باسيل. لكن السؤال الأساسي يبقى هو كيف سيكون هذا الردّ؟