ماذا يعني ان يلعب اطفالكم مع الموت او يدنوا منه دون ان تراقبوهم، او تسألوهم عن الساعات الطوال التي يقضونها بعيدا عنكم في غرفهم. في الواقع لن يتخيل أحد ان مقاطع الفيديو السريعة التي نالت من مواقع التواصل الاجتماعي «التيك توك»، والتي تعرف أيضا بـ «لعبة الشياطين» او «تحدي تشارلي» ستُزهق ارواحا وتنهي حياة أطفال صغار ومراهقين في مقتبل العمر في بعض الدول، وآخرها انتحار طفل مصري بسبب تنفيذ شروط هذا التحدي الغبي. فقد وجدت الاسرة المصرية طفلها مصطفى البالغ من العمر 12 عاما مشنوقا داخل غرفته. وفي هذا السياق كشفت الوالدة انها عثرت على مقطع «فيديو» كان بالقرب من ابنها، واعتبرت ان نجلها كان يحاول تقليد التحدي وتنفيذ شروط اللعبة ما دفع به الى شنق نفسه بواسطة حبل.
ما هو «تحدي تشارلي»
«لعبة الشياطين» بدأت بالانتشار في العام 2015، وحازت شهرة واسعة، وذهب ضحيتها العديد من الأطفال والمراهقين من كافة انحاء العالم. تقول الاختصاصية في العمل الصحي الاجتماعي والمتابعة النفس – جسدية خديجة قرياني ماضي: «ان لعبة تشارلي هي تحد على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال وضع قلمين فوق بعضهم بعضا مع خريطة مقسمة أربعة اقسام ب نعم ام لا، والمفترض ان يقول الشخص كلمات محددة تجعل القلم يدور او يبرم، فيعتقد المراهق، وهو الفئة المستهدفة، انه يوجد جن او وساوس او شياطين هي من تتحكم بالقلم».
وأيضا «تحدي تشارلي» هي لعبة من العاب التواصل الروحي مثل الـ «يوغا»، وتعتبر أحد الطقوس المكسيكية التقليدية القديمة التي كانت منتشرة منذ سنوات.
الانتشار الالكتروني قنبلة موقوتة
ويؤكد الخبير في المعلوماتية جورج سمعان لـ «الديار»: ان «تحدي تشارلي» لا يصنف على انه لعبة بل تحدّ، وهذا النوع من «التحديات» انتشر في الآونة الأخيرة على موقع «التيك توك»، ويستقطب الفئة العمرية من الأطفال والمراهقين. ويشدد سمعان على ان هذا النوع من الألعاب ذو خطورة قد يصل الى الانتحار، وفيه «ادّعاء» لتحضير الجن من خلال طلاسم غريبة يتم تداولها الأطفال، وتكون قائمة على التحديات وليست العاباً الكترونية».
على الاهل مراقبة أطفالهم
في سياق تربوي- تكنولوجي يقول الخبير سمعان، ان «التكنولوجيا أصبحت متوافرة في كل المنازل، وتغزو المجتمعات من كافة الطبقات، كذلك الامر في الألعاب الالكترونية المتقدمة جدا. وهذا ما يصعّب الامر لجهة مراقبة الأطفال، خاصة إذا طال غيابهم لأكثر من ساعتين متتاليتين، ومع ذلك يجب ان يتنبّه الاهل بين الساعة والاخرى الى أولادهم وما يفعلونه او يشاهدونه، وربما ممارسة بعض الأحاديث بين الاهل والأطفال عن كل جديد في عالم التطبيقات والألعاب الالكترونية سيسهّل من الأمور أكثر، وسيجليها ويوضح مدى خطورتها او العكس، ويوطّد من المناقشة العلمية بين افراد العائلة الواحدة بأسلوب علمي نقدي منفتح بعيدا عن اخذ القرارات الصارمة المتنائية عن الحوار».
وفي هذا المجال يقول سمعان، «بما ان جميع الناس بات لديهم هواتف ذكية، والتي تحتوي على تطبيق اسمه KIDS MODE بداية، يجب الا يحمل أطفالنا هواتف خاصة بهم، وعلى الاهل ان يعيروهم تلك التي تعود لهم لمدة محددة من الوقت لا تتجاوز الساعة او حتى النصف ساعة ويكون ذلك من خلال تشغيل التطبيق الذي من خلاله نراقب الطفل ما يشاهده او يتابعه. ويلفت سمعان، «من خلال هذا التطبيق يحدد للطفل ما يمكنه فتحه داخل اليوتيوب، عن طريق ACCESS والقيام بما يسمى RESTRICTIONS على تطبيقات يجب الا يدخل اليها الأطفال او المراهقون، ومن خلال هذه الخطوات يمكن مشاهدة ما يختص بالأطفال حصرا».
FAMILY LINK
يردف سمعان، «يوجد في الهاتف رابط اسمه FAMILY LINK، وعلى الاهل تفعيل زر هذا التطبيق من خلال وصله من هواتفهم على هواتف أطفالهم بما يسمى LINK AS PARENTS للتحكم بكل ما يفعله أولادهم ولمعرفة ما يشغلونه او يشاهدونه وما يلعبونه من العاب جيدة او خطرة، كما يمكن إيقاف الهاتف من خلال POWER OFF في حال وقعوا ضحية لألعاب او تطبيقات خطرة او حتى تجاوزوا الوقت المحدد لهم لفتح الانترنت. ويشير سمعان الى انه من خلال LOCATION يمكن أيضا للأهل معرفة اين أطفالهم في حال كان متعذرا وجودهم الى جانبهم او بالقرب منهم لأسباب مثل العمل او السفر او غيرها من الأمور». ويشدد «على الاهل ان يحددوا الصلاحيات او الممارسات المسموحة لأطفالهم القيام بها او استخدامها».
ويتابع، «إذا فعّل الاهل تطبيق KIDS MODE، فالهاتف سيتغير بأكمله ليصبح متناسبا في الشكل والتطبيقات التي داخل المحمول بما يتناسب مع الأطفال. ومن هنا أي تطبيق او لعبة سيدخلون اليها تكون مخصصة لهم، وأيضا هذا الامر ينطبق على اليوتيوب بحيث يوجد «يوتيوب كيدز». بالإشارة الى ما يسمى تفعيل FAMILY KIDS FOR ANDROID، بحيث توجد تطبيقات للهواتف القديمة يمكنهم من خلالها تقييد اليوتيوب لان «اليوتيوب كيدز» لم يكن متوافرا او مسموحا تحميله في كل الدول وفي لبنان، مؤخرا بات متوافراً».
تفسير منطقي
في سياق تفسيري لهذه الحالة، تقول الاختصاصية في العمل الصحي الاجتماعي خديجة قرياني ماضي لـ «الديار»: «بحكم الجاذبية، إذا وضعنا قلمين فوق بعضهما بعضا لفترة من الوقت سنجدهما يلتفّان او يدوران، الى جانب التفسير الفيزيائي لهذه الحالة هناك عوامل أخرى سنتطرق الى البعض منها». وتستكمل، «لان المراهقة فيها الكثير من النقد والاضطرابات والتغييرات الجسدية والنفسية، المعنوية والعقائدية والفكرية لدى الطفل، الى جانب الكثير من الاستفسارات». وتضيف، السؤال هل هذا الطفل في بيئة حاضنة له، وتراعي فورته والبركان الذي يتفجر عنده على أكثر من صعيد، وهل هذه البيئة تستجيب لهذه الأسئلة العميقة ام لا! وتتابع ماضي، «إذا كان هذا المراهق او الطفل يفتقد البيئة الملائمة والمحتضنة له فسيكون عرضة للخطر وللإيقاع به في الكثير من الأمور ومنها التحديات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتشير، عندما نترك فراغا لدى هذا الطفل فسيسعى الى ملئه بأشياء سيئة أخرى».
وتشرح ماضي الجوانب التي تدفع بالمراهقين لتنفيذ هكذا منافسات جسيمة فتقول: «السبب في لجوئهم الى تنفيذ هذه التحديات يعود الى معاناتهم من اضطرابات سلوكية ونفسية او ان لديهم ميولا عالية في ان يصلوا الى هذا الهيجان من خلال ارض خصبة مبنية على عوامل وراثية او الذين نشؤوا في أسر غاب عنها الحنان والاهتمام الكافيين».
الاهل قد يدفعون أطفالهم الى الخطر
تقول ماضي، «نحن من وضعنا أطفالنا في هذه البؤرة المرعبة ولسببين:
- أولهما: نحن لا نتعاطى مع العالم الرقمي كما نتعاطى مع العالم الحقيقي والذي يعد أخطر، فننبّه طفلنا بأن لا يتواصل مع الغرباء ولكن نتركه مع المحمول لأربع وعشرين ساعة متواصلة مع انترنت غير محدود».
- ثانيهما: انسحاب الاهل من دورهم وتحديدا الام في الخمس سنوات الأولى من حياة الطفل، والتي هي أساس لبناء الصحة النفسية للإنسان.
وتتطرق ماضي الى «ان سعي الاهل وراء العوامل المادية يتجلى في تأمين كافة المستلزمات لأولادهم لكيلا ينقصهم شيء، وهذا لا يعد مؤشرا جيدا للأهل وللأطفال على حد سواء».
وتتابع، «فعلى سبيل المثال: بعض المدارس تسمح للتلاميذ بحمل هواتف داخل حرمها، وهذا ما يدفع الاهل الى شراء هواتف لأطفالهم لكيلا يكونوا مختلفين عن زملائهم الذين معهم في المدرسة او في الصف الواحد. وبالتالي هذا التصرف يعد خطأ ويشكّل أيضا عبئا على الام لتركها المنزل والعمل الى جانب الزوج، بالإشارة الى ان المجتمع ذهب الى ابعد من واجباتها الطبيعية وانتقدها في حال بقيت في منزلها لرعاية أولادها وفي بناء اطفال سليمين قادرين على مواجهة شرور المجتمع. الا ان هذا بالطبع لا يلغي حقها في ان تكون والدة عاملة ولديها عملها او شركتها».