لم تتمكن بكركي، رغم الجهود التي بذلتها وتبذلها، من جمع الكتل المسيحية لبحث الاستحقاق الرئاسي، والاتفاق على مرشح موحد او على مقاربة مشتركة تشكل عاملا قويا وضاغطا لانتخاب رئيس الجمهورية.
ويقول مصدر سياسي مطلع ان البطريركية المارونية انطلقت في مسعاها من مبادىء اساسية هي:
١- عدم الامعان في اطالة الفراغ الرئاسي وانتخاب الرئيس في اسرع وقت. وهذا ما اكد عليه البطريرك الراعي في كل عظاته ومواقفه.
٢- توحيد الموقف المسيحي على مرشح يحظى بثقة الكتل النيابية المسيحية، ويستقطب ايضا ثقة وطنية تشكل معبره الى بعبدا.
٣- عدم تحميل الكتل والقوى المسيحية مسؤولية استمرار الفراغ الرئاسي، ومحاولة تسوية خلافاتهم حول هذا الاستحقاق.
وبرأي المصدر ان فشل بكركي في جمع النواب المسيحيين او عقد اجتماع مصغر يجمع رؤساء وممثلي الكتل المسيحية، يعكس حجم الانقسام الحاد بين هذه الكتل، وغياب القواسم المشتركة فيما بينها حول الاستحقاق الرئاسي وقضايا وملفات عديدة.
ووفقا للمعلومات، فان ما يزعج بكركي هو انها تشعر ان الكتل والقوى السياسية المسيحية تتعامل وتعمل على ان تكون مظلة تستظل تحتها، لكنها في الوقت نفسه لا تتصرف الاّ وفقا لمصالحها السياسية.
وينقل زوار بكركي، ان البطريرك الراعي لم ييأس ولا يرغب في اعلان فشل ما سعى ويسعى اليه، لكنه في الوقت نفسه لا يخفي انزعاجه من الخلافات المتحكمة في تعاطي القوى المسيحية مع الاستحقاق الرئاسي.
ورغم الصعوبات التي واجهتها وتواجهها، ما زالت بكركي تأمل في احداث اختراق ايجابي بجدار الخلافات بين هذه القوى والكتل، ولا تريد نعي مسعاها، ربما لرهانها على امكان تكوّن معطيات تقلب الامور وتساهم غدا في جمع الاضداد.
وكما صار معلوما، فان ” القوات اللبنانية” تتحفظ عن فكرة عقد اجتماع مسيحي مصغر او موسع، وتحرص على تبرير موقفها بان الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق وطني بامتياز، كما عبّر رئيسها سمير جعجع اكثر من مرة، وبالتالي من غير المقبول القول ان الكرة في ملعب المسيحيين. ويحاول جعجع رمي الكرة في ملعب الفريق الآخر او فريق الممانعة، لتمسكه بسليمان فرنجية، متجاهلا حقيقة عدم مشاركة اكثر من نصف المسيحيين في الموقف الذي اتخذه بترشيح النائب ميشال معوض والتمسك بهذه الورقة حتى الآن، رغم سقوطها كليا بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الـ ١١.
والى جانب ذلك، فان جعجع مقتنع حتى الآن بان عقد لقاء مسيحي برعاية بكركي، من شأنه ان يعطي غطاء مجانيا لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي يعتبره انه ما زال في موقع حرج، رغم اعلان فك ارتباطه بحزب الله.
وما يشجع جعجع على التمسك بهذا الموقف، اطمئنانه الى ان مواقف البطريرك الراعي منذ فترة طويلة، اذ تبدو في معظم القضايا الوطنية اقرب الى مواقفه من مواقف الكتل المسيحية الاخرى، وان خطابها السياسي في خطوطه العريضة ينسجم مع خطاب “القوات اللبنانية”.
من جهة اخرى، يرى ايضا ان مشاركته في اللقاء المسيحي قد يجره الى موقف لا يريد حسمه في الوقت الراهن، وهو يفضل عدم سلوك هذا المسار، رغبة منه في ان يبقى ممسكا بزمام قيادة ما تسمى “المعارضة السيادية”، واستقطاب تحت مظلتها عددا لا بأس به من نواب “التغيير” والنواب السنة.
وعلى عكس جعجع، فان جبران باسيل اكثر المتحمسين للقاء المسيحي في بكركي لانه، حسب مصادر التيار الوطني الحر، يمد يده للجميع من اجل الوصول الى مقاربة ايجابية تأتي برئيس الجمهورية، فكيف بالاحرى لا تكون ممدودة الى الكتل المسيحية؟
ويعتبر باسيل ان الحوار المسيحي المباشر، يمكن ان يؤدي الى التوصل الى مرشح موحد ويفرض ايقاعه على مسار الاستحقاق الرئاسي، بدلا من الاستمرار في الانقسام والتشتت الحاصلين.
وبرأي المصادر ان هناك حاجة لتعزيز القواسم المشتركة حول الاستحقاق الرئاسي، وان التوازنات السياسية والنيابية المسيحية القائمة، تفترض الحوار والتوافق على خيار جامع بدلا من استمرار هذا التشتت،الذي لم ينتج سوى هدر الوقت واطالة الفراغ.
وحول الاتهامات بان باسيل يريد ويحتاج الى غطاء بكركي واللقاء المسيحي، تقول المصادر “ان مثل هذا الكلام يثير السخرية، فهو يرأس اكبر تكتل نيابي مسيحي، ولا يدفعه الى تأييد عقد اللقاء اي هدف، سوى الرغبة في تحسين وتوفير المناخ اكثر للتوحد حول مرشح يحظى بدعم مسيحي جامع”.
وترى مصادر التيار ان هناك حاجة للخروج من حالة الاستعصاء القائمة في شأن الاستحقاق الرئاسي، ويمكن للقاء المسيحي ان يساهم في توفير عامل ضاغط باتجاه انتخاب رئيس الجمهورية.
ولا يعارض حزب “الكتائب” عقد لقاء مسيحي برعاية بكركي، لكنه في الوقت نفسه يبدي بدوره نوعا من التحفظ عن هذه الخطوة، معتبرا ان المشكلة ليست في تنوع المواقف السياسية المسيحية بقدر ما تكمن في الخلاف السياسي والوطني، بين فريق يريد السيادة والدولة ويرفض سياسة المحاور الاقليمية، وفريق يريد فرض ارادته وهيمنته على الدولة وقرارها، ويرهن مصير البلد بسياسة محور الممانعة.
وتؤيد كتلة “المردة” مبادرة بكركي انطلاقا من ترحيبها بكل حوار، اكان على الصعيد المسيحي او على الصعيد الوطني. وتقول مصادرها ان الكتلة منفتحة على الحوار، ولا ترى ان هناك ما يمنع من توسيع رقعته لانجاز هذا الاستحقاق.