يتطلب ركوب الدراجة النارية عادة جرأة، قوة، خفّة وصلابة وربما رباطة جأش!! الا انها لم تعد حكرا على الرجال.
في ظل القيود الاجتماعية – الشرقية، وبما يدور حول ما تقوم به المرأة واستهجان أي عمل خارج نطاق المألوف، يبقى بمثابة كسر ما هو متعارف عليه اجتماعيا، بالنسبة للعادات والتقاليد التي كبرنا عليها.
المرأة اللبنانية كسرت كل القيود ، فهي جبارة ومبتكرة، ومن الاوائل في الكثير من الاعمال، الا انه للأسف ما زلنا شركاء في جعلها ليست في المقدمة على قاعدة “الرجال قوّامون على النساء”، ونسوا كلمة “بالحق” التي تدل على انه ما من فارق بين الرجل والمرأة الا في أمور مفصلية معينة، المرأة بذات نفسها لا تقوم بها، فهي تعي ما لها وما عليها.
الازمة الاقتصادية التي ارخت بظلالها على لبنان في ظل الركود والبطالة واغلاق الكثير من المؤسسات التجارية أبوابها، لاحت ظاهرة قيادة السيدات للدراجة النارية الى جانب “التوك توك”.
المرأة تخطت خوفها والمجتمع!
يقول أحد مدربي قيادة الدراجة النارية للسيدات، ان هذه الظاهرة بدأت تتسلل الى مجتمعنا لعدم القدرة على شراء سيارة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، والأغلبية الكبيرة من اللبنانيين ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، أضف الى انعدام الثقة في المصارف لجهة أموال المودعين المحجوزة لديها، والتي لم تعد تعطي قروضا ميسّرة، كما ان الشركات لم تعد متحمسة لبيع آلياتها عن طريق التقسيط ، فعمدت الى وضع شروط قاسية على “الشاري”، والتي تتضمن التالي:
- الدفع بالفرش دولار.
- يتم بيع السيارة وتخريجها عن طريق تنفيذ الطلب فقط بعد الدفع “كاش”.
مصدر مصرفي قال ان اعطاء قروض للسيارات ما زال قائما، الا انه يتضمن شروطاً صارمة، بحيث يوجد عدة خيارات ليحمي المصرف حقه منها:
- يتوجب على الشاري تجميد مبلغ 20000 الف دولار أميركي في المصرف، ويتم اقتطاع المبلغ شهريا.
- او دفع “شيك مصرفي” كاش بالليرة اللبنانية بقيمة السيارة، أي ما يقارب الثلاث مئة مليون ل.ل.
هيثم فخر الدين أحد مالكي معارض بيع السيارات والدراجات النارية في منطقة الحازمية والحمرا يقول لـ “الديار” ان عملية البيع عن طريق الدفع بالتقسيط او عبر السندات انتهت، والبيع والشراء حصرا بالفرش دولار وسلفاً، وهذا ما دفع بالمرأة اللبنانية التوجه نحو شراء الدراجة النارية التي تعد الوسيلة الأسرع والاقل كلفة، ان كان لجهة سعرها او بالنسبة لمصروف المحروقات، كما ان تكلفة “السرفيس” اليوم في بيروت باتت جدا مكلفة. هذه الأمور مجتمعة دفعت بالمرأة الى كسر “التابوهات”، وانا اشجعها واشد على يدها، فهذا الأمر ليس عيبا او فاحشا او مخالفا للآداب والأصول.
50% ممن يشتري الدراجات النارية سيدات!
“هجمة” او “طحشة”… مؤخراً كان يوجد عرض على 300 دراجة نارية من نوع “فيسبا” تم شراؤها جميعا من قبل سيدات، بحسب فخر الدين، أي بنسبة 50%، لتصبح الأكثر رواجا وليست حكراً على الرجال، أضف الى ذلك ارتفاع أسعار المحروقات، لا سيما صفيحة البنزين الذي بات سعرها يقسم ظهر البعير، فبعد ان كانت 24000 ل.ل باتت ب 1000,000 ل.ل. هذه الأسباب مجتمعة، رفعت من رصيد شراء وسيلة النقل هذه. وتجدر الإشارة الى ان جميع السيارات الصغيرة ذات الخزان الاقتصادي في استهلاك مادة البنزين، بات سعرها مضاعفا عمّا كانت عليه قبل الازمة، والسبب يعود الى توجه لناس لشراء كل ما يوفر المحروقات.
كيفية تعليم السيدات لقيادة الدراجة النارية
ليس من الصعب تعليم كيفية القيادة للسيدات، يقول أحد المدربين، فحماسها اول خطوة في جعلها متمكنة. ففي اليوم الأول حوالي الساعة من التعليم يعتمد على قواعد كيفية القيادة، كما اعطيها الدراجة لتحاول القيادة والتمرين بنفسها، وهكذا في اليوم الثاني والثالث، وعبر مراحل من اليوم، يكون لديها المجال في حفظ الطريقة حتى تصبح متمكنة، كما يوجد الكثير من السيدات أصبحن لديهن دفاتر سوق للدراجة النارية، مما يدل على ان الامر قابل للانتشار أكثر.
باميلا كسرت “التابوهات”
باميلا ابي رميا كسرت “التابوهات”، منذ خمس سنوات تقود الدراجة النارية، أي ما قبل الازمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية، وتقول لـ “الديار”: انا كنت اريد ان اشتري سيارة، الا انه مع اضطراب الوضع وما آلت اليه الأمور من بؤس في المصارف استبعدّت الفكرة، وتضيف هي ممتازة لجهة توفير الوقت وعدم الوقوف لساعات في ارتال السيارات لتبقى الخيار الاسلم والأكثر ذكاء، لا أخفيك سرا اذا قلت لك انني اسمع الكثير من التلطيشات على الطريق أثناء مروري، الا انني لا اهتم، و”تعودت” على هذا، فما زالوا يستغربون ان فتاة تقود دراجة نارية ، وبالأخص عندما اقود بسرعة استفزهم ويبدأون بمنافستي ومجاراتي على الطريق جنبا الى جنب، الا انهم في بعض الأحيان يحبذون هذا الشيء ربما لربطه بقوة المرأة وشخصيتها.
اما عن صديقاتها اللواتي “يزنّون” على رأسها لتعليمهن كيفية قيادة الدراجة فتقول: هذا الجانب القبيح في الموضوع، بحيث يتعمّدْن إقلاقي لكي أعلمهن، الا انه على العكس من جهة أخرى اشجعهن، والكثيرات بتن يفكرن بالموضوع جديا.
“التوك توك” يغزو المناطق البقاعية
الازمة الاقتصادية فعلت كل شيء، ففي البقاع الأوسط، اجتاحت عشرات مئات “التكاتك”، المصنع وبرالياس وشتورا ومجدل عنجر، لتغدو ورقة رابحة في ظل الازدحام والاختلال بين الإنتاج والاستهلاك الذي سبب الغلاء والافلاس.
في الحقيقة هذه الوسيلة بالذات، كنا نراها في الدول الافريقية والهند وغيرها من الدول الفقيرة عبر الصوَر او عبر “الانترنت”، وكانت مستبعدة ان يراها أحد في لبنان، الا ان الازمات المتتالية على كافة الاصعدة، وانهيار الليرة وارتفاع أسعار المحروقات، دفع الى استحداث هذه العربة التوفيرية بكل ما للكلمة من اقتصاد وتوفير. فغزت المناطق اللبنانية خاصة البقاعية لانخفاض تكلفتها، فسعرها يتراوح ما بين الـ 2400 الى 3500 دولار اميركي.
“التوك توك” بات للنساء PRESTIGE
يعتبر الـ “التوك توك” وسيلة نقل مهمة جدا، لجهة استخدامه في الاحياء والزواريب الضيقة او البعيدة عن الطرق العامة والنقاط الرئيسية التي تبعد عن قلب القرى، ولا يمكن لتاكسي ان يقوم بإيصال أي من الزبائن اليها وذلك لبعد المسافة، مما يسهّل على سائق “التوك التوك” الدخول الى هذه الاحياء الضيقة اوالبعيدة بكل اريحية، وهذا ساهم بزيادة الطلب عليها. وقد لوحظ ان “التوك التوك” ما زالت عملية بيعه بطيئة في المدن كبيروت، الا انه بالتأكيد غزا البقاع الأوسط فارضاً وجوده بقوة، لا بل بات وسيلة عمل وباب رزق للكثيرين، وهذا ما كشفته السيدة نسرين ياسين لـ “الديار” حيث تعمل على “توك توك” لشخص يدعى “أبو الليل”، ولديه العشرات من “التكاتك”، حيث يشغّل شبان وشابات عليها بدل اجرة يومية يتم الاتفاق عليها من الطرفين، وتقوم نسرين بنقل الافراد والطلاب وحتى البضائع، كما انها تعمل على إيصال الطلبات عن طريق خدمة “الدليفري” بأسعار زهيدة، كما انها اوفر واسرع من “التاكسي” او “السرفيس” لقدرة سائقها على “الزوربة” في الزواريب الضيقة.
وكشفت نسرين انها تتقاضى من كل فرد بدل اجرة 20000 ل.ل ،وهو مبلغ مقبول، مع الإشارة انه بات لا يشتري ربطة خبز، كما ان تكلفة البنزين وتغيير الزيوت لا تكلف شيئا مقارنة مع تكلفة السيارات التي باتت باهظة، ولربما الحفاظ على السيارات في المستقبل سيكون في خانة الاماني والتمنيات في ظل النزيف الاقتصادي المرشح بالارتفاع.
اما عن جرأتها في العمل عليه تقول: للأسف نحن نعيش في مجتمع ظالم ومتشدد ومستبد في نظرته للمرأة، لا سيما نحن في القرى، الا انني تحديت كل من نظر الي منتقدا او قاذفاً تعليقات مسمّة وساخرة، حتى بتُّ الأكثر طلبا من الناس. الامر يتطلب المثابرة وعدم التردد وبالطبع الجرأة، وأتمنى ان اشتري “توكتوكا” خاصا لي اذ بات مصدر رزقي.
اذن نحن امام فصل جديد في لبنان، سنشهد كسر لصوَر نمطية تعوّدنا ان نرى المرأة متقوقعة داخلها ومغلفة بقشور بالية، كالمحافظة او الأديان او العقليات الذكورية الرافضة لهذا المبدأ، في الوقت الذي يعتبر فيه استخدام الدراجة النارية لقضاء الاحتياجات بكلفة اقل، ويُعدّ الاوفر والأكثر يسرا للنقل الآلي او الفردي. تجدر الإشارة ان بعض مكاتب “التاكسي” في بيروت على سبيل المثال BOLT بدأ يروّج لإمكانية نقل المواطنين على الدراجة النارية عبر الدخول الى APPLICATION الخاص بالمكتب واختيار سيارة او دراجة نارية، كونها الوسيلة الأسرع ويمكن ان تتخطى كل الازدحام في الشوارع وعلى الاوتوسترادات.