تتحكم بمسار البحث عن صيغة لتكليف شخصية بتشكيل الحكومة وإمكان النجاح في تأليفها، مسألتان أساسيتان: الأولى، هي الجواب عن سؤال مدّة ولاية الحكومة، وما إذا كانت ستتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية في حال حدوث فراغ رئاسي. أما الثانية، فتتمثل في السؤال عن إمكان تشكيل الحكومة سريعًا، لتكون مهلة عملها قصيرة في حال حصل توافق على إنجاز سريع للاستحقاق الرئاسي. لا جواب على السؤالين.
بكركي: حكومة جامعة
وتتشعب الحسابات لدى القوى في مقاربتها قبل اتخاذ قراراتها النهائية في الاستشارات النيابية الملزمة.
كان موقف البطريرك الراعي في قداس يوم الأحد لافتًا بدعوته إلى تشكيل حكومة جامعة. وكأن البطريرك أبدى حرصه على مشاركة القوى كلها في الحكومة، كي لا يستأثر بها أحد، ولا تكون محسوبة على طرف دون آخر، لا سيما أنها قد تتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية. وفي هذا المعطى البطريركي ثمة تجاوز للأسماء وتفاصيلها، وبالتالي ضرورة تغييب الخلافات والصراعات، والاتفاق بين قوى عدة قادرة على التأثير، وعلى فرض مشاركتها في الحكومة لتأمين التوازن.
السعودية والسنّة
تحركات السفير السعودي وليد البخاري ليست بعيدة عن هذا المناخ أيضًا. والسعودية لا تخوض معركة تفصيلية أو مباشرة في استحقاق التكليف. لكن نشاط السفير السعودي يشير إلى سعي لخلق إطار تنسيقي بين النواب السنّة، للخروج من حال التشتت. وتقول مصادر متابعة إن البخاري لا يدخل في التفاصيل اليومية. بل يسعى إلى وضع إطار عام للنواب السنّة، كي يلتقوا على كلمة وموقف، بغض النظر عن الانضواء في كتلة واحدة. ولم يضع السفير فيتو على أحد، ولا طرح اسمًا محددًا. لكن مصادر أخرى تقول إن السعودية كانت في مرحلة من المراحل تفضّل أن تتولى امرأة رئاسة الحكومة، وتكون قادرة على إثبات جدارتها في مجالات مختلفة.
لا شك في أن الاهتمام السعودي يتركز استراتيجيًا على مرحلة ما بعد ولاية الرئيس ميشال عون، نظرًا للمدة القصيرة المتبقية من ولايته. في هذا الإطار يصب جزء من الاهتمام السعودي باللقاءات التي تعقد.
إجماع على ميقاتي؟
حزب الله يصرّ على تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويفضّل أن تشارك فيها قوى مختلفة، كي لا يتحمل وحده المسؤولية. ويميل الحزب عينه إلى تكليف ميقاتي، وكذلك حال حركة أمل، وعدد من نواب التيار العوني، أولئك الذين يحاولون التفاوض مع ميقاتي. وهذا موقف سليمان فرنجية، وبعض النواب المستقلين.
ويحاول ميقاتي فتح خطوط تواصله مع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. وثمة حرص اشتراكي على مشاركة القوات في الحكومة، في حال لم يكن في الميدان سوى ميقاتي. وبذلك لا تترك الحصة المسيحية الأكبر للتيار العوني.
ضعف فرنسي موقت
ميقاتي أبرز المدعومين فرنسيًا للعودة إلى رئاسة الحكومة. ونتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية تشغل إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون بأمور داخلية للاتفاق على تشكيل الحكومة بعد خسارته الأغلبية. وهذا يؤدي إلى خفوت وهج الدور والتأثير الفرنسيين في هذه المرحلة، وفي الحد الأدنى مرحلة تكليف رئيس الحكومة وما بعده.
هذا التطور أضعف ميقاتي نسبيًا. وقد يجد نفسه مضطرًا إلى إرضاء قوى مختلفة في ظل رفض التغييريين وعدد من المستقلين التصويت له. لذا يضطر إلى تلبية شروط جنبلاط، جعجع، والتيار العوني. وإذا نجح ميقاتي في إقناع القوات وجنبلاط مع بعض النواب السنّة بالتصويت له، يكون بذلك نجح في توفير الميثاقية والأصوات اللازمة للتكليف والذهاب إلى التأليف ونيل الثقة، في حال نجاحه بتشكيل الحكومة.
لكن ميقاتي يبقى بحاجة إلى إرضاء رئيس الجمهورية الذي يتحكم بتفاصيل التشكيل، ويعدّ نفسه شريكًا في صوغ شكل الحكومة وتركيبتها ليضع توقيعه على مراسيمها. وهذا ما يضع مهمة ميقاتي أمام تعقيدات عدة، قد تدفع إلى استمراره في حال التكليف بلا تأليف.
أسماء أخرى
عدا ميقاتي، يستمر البحث بين قوى مختلفة عن طرح أسماء شخصيات لتولي المنصب. وبعد سعي عدد من نواب التغيير لتسمية نواف سلام مجددًا -علمًا أنه يحظى بثقة داخلية وخارجية، ولديه مشروع واضح وجاهز للبلاد- لا يجد نفسه في هذا الموقع حاليًا، نظرًا للظروف والمهلة القصيرة.
وبرزت زيارة عامر البساط إلى بيروت، وهو أحد من تدُوِلت أسماؤهم، نظرًا لتجربته المالية في نيويورك ومع صندوق النقد الدولي. وبدأ البساط بعقد لقاءات مع شخصيات مختلفة، بحثًا في إمكان التفاهم معه.
ثمة أيضًا من يطرح اسم الوزيرة السابقة ريا الحسن. فهي صاحبة تجربة إيجابية في وزارتي المالية والداخلية، ولا تستفز أي طرف، وترضي جهات عدة. لكن قد يكون هناك اعتراض على اسمها باعتبارها رئيسة مجلس إدارة أحد المصارف.