الياس بو صعب. هو الإسم الذي برز مؤخراً في ملف ترسيم الحدود، وصولاً إلى تحقيق الاتفاق. تدرّج بو صعب في مواقع متعددة، من وزارة التربية إلى وزارة الدفاع، وبعدها نائباً لرئيس مجلس النواب. بعد خروجه من وزارة الدفاع، ظنّ كثر أن الرجل تراجع دوره وخفت، حتى ذهب البعض إلى الحديث عن أنه أحجم عن الدخول في المسارات السياسية والنيابية خوفاً من فرض عقوبات عليه.
أيام الانتخابات النيابية الأخيرة، قيل إن الرجل لن يترشح على لائحة التيار الوطني الحرّ، كي لا يتعرض للعقوبات، ولأن لديه خلافات مع رئاسة التيار وعدد من اعضاء التكتل، إلا أن العكس قد حصل، بل وانتخب نائباً لرئيس المجلس النيابي.
بخلاف كثيرين في التيار والتكتل، يتمتع الياس بو صعب بعلاقات جيّدة مع كل القوى السياسية وخصوصاً المختلفة مع التيار. علاقته أكثر من ممتازة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وهو على تنسيق دائم ومستمر معه. كذلك كانت علاقته مع الرئيس سعد الحريري في عزّ الخلافات بين الأخير والرئيس ميشال عون وجبران باسيل. كما أنه يتمتع بعلاقات أميركية وعربية برزت مؤخراً في ملف ترسيم الحدود، خصوصاً العلاقة التي بُنيت مع آموس هوكشتاين.
إحياء ملف الترسيم
لدى لقاء بو صعب لا بد من طرح سؤال أولي عليه، وهو كيف تولى مهمة التفاوض بشأن ترسيم الحدود البحرية؟ يجيب سريعاً: “خلال فترة الخلاف بين الرئيسين سعد الحريري وميشال عون على تشكيل الحكومة السنة الفائتة، كنت أقوم بمساعي بين الطرفين، وكان حينها ديفيد هيل لا يزال في موقعه كنائب لوزير الخارجية الأميركي، بناء على التواصل مع هيل حول تشكيل الحكومة، طرحت معه فكرة مساعدة لبنان من بوابة ترسيم الحدود. وقلت إن هذا الملف يمكن أن يحفز على تشكيل الحكومة والتوافق بين اللبنانيين، كما أنه سيكون عنصراً مساعداً كثيراً. وكنت على تنسيق مع الرئيسين الحريري وعون في هذا الملف”.
بعدها حصلت زيارة ديفيد هيل إلى لبنان وجرى خلالها البحث في مختلف الملفات، ومن بينها ملف ترسيم الحدود. ففوضني رئيس الجمهورية الاستمرار بالتواصل مع هيل، فيما أرسلت الإدارة الأميركية لاحقاً السفير ديروشيه، والذي تواصلت معه أيضاً، وصولاً إلى تعيين هوكشتاين”. ويضيف: “كان هناك العديد من الشخصيات المتابعة لهذا الملف. ولكن فيما بعد بدأ انحسارهم إلى أن استمريت أنا بالمهمة”.
بين بيل كلينتون ورفيق الحريري
لم تكن علاقة بو صعب بالأميركيين صدفة أو نتاج لحظة معينة، هو خريج جامعة بوسطن في الولايات المتحدة، وبعدها عمل على تأسيس الجامعة الأميركية في دبي. هذه المهمة منحته فرصة التواصل مع العديد من المسؤولين الأميركيين ولا سيما في إدارة الرئيس بيل كلينتون، وتعود العلاقة إلى العام 2001، يقول ويضيف: “كنت على علاقة في تلك الفترة بالرئيس رفيق الحريري، وكان لي دور بترتيب لقاءات بين بيل كلينتون والرئيس رفيق الحريري. وهذا الدور كان يعلم به اللواء وسام الحسن والرئيس فؤاد السنيورة”.
لا يخفي الرجل علاقاته بالمسؤولين الأميركيين من الحزبين، لكنه يعتبر أن علاقاته أقوى مع الحزب الديموقراطي. كذلك يتمتع بعلاقات مع مسؤولين عرب، خصوصاً في دولة الإمارات، فيما علاقته جيدة مع غالبية القوى في لبنان. وهنا يقول: “لا أقبل لأحد أو أسمح له أن يتهمني بالعمالة، “. وهذه كلها غير صحيحة ولا أسمح بها. ولكن لدي علاقات.. ومن خلال هذه العلاقات حاولت العمل للوصول إلى اتفاق الترسيم أو غيره من الملفات”.
الجملة التي هددت الاتفاق
يستشهد بو صعب بكلام للمساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر حين قال: “نصيب هوكشتاين وما دفعه للوصول إلى اتفاق على ترسيم الحدود، هو وجود مفاوض اسمه الياس بو صعب”. ويعتبر أن المقصود وراء هذه الجملة أن “إصراري هو الذي دفع لإنجاز الاتفاق. ولا أخفي أنه في الأيام الأخيرة ما قبل الاتفاق استمر الخلاف بيننا طيلة 36 ساعة، بسبب الخلاف على جملة، وهي أن لا علاقة للبنان بأي اتفاق بين اسرائيل وشركة توتال حول التعويضات من تشغيل حقل قانا. رفضها هوكشتاين، لأنه اعتبر أن إسرائيل سترفضها، فقلت له: إذا أردت إنجاح الاتفاق فعليك الأخذ بهذه الكلمة، اقترحها في نصك وإذا رفضها الإسرائيليون يكونون هم من أسقطوا الاتفاق. استمر الخلاف حتى أبلغته بأنني أبلغت رئيس الجمهورية أن الاتفاق طار، فقال لي إنني سأبلغ الرئيس بايدن بالأمر. ولكن بعدها تجدد التواصل وبقينا مصرّين على هذه الكلمة”.
يعتبر بو صعب أن ما حققه لبنان ممتاز، خصوصاً أن ما كان معروضاً عليه هو خطّ هوف ولكنه حصل على الخط 23 مع حقل قانا. ويرفض اتهامه بالتنازل عن الخطّ 29 لأنه خطاً تفاوضياً.
قطر والإمارات والاستثمارات
في كلمته من القصر الجمهوري قال بو صعب بحضور هوكشتاين: “كنا نسمع عن صحف (اتفاقات) ابراهام، ولكن الآن نقول إنه أصبح لدينا اتفاقات هوكشتاين”. أثارت هذه العبارة استغراباً، فيما اعتبر البعض أن رمزيتها قد تربط ما بين اتفاق ترسيم الحدود واتفاقات التطبيع والسلام التي تمت بين إسرائيل ودول عربية، إلا أن بو صعب يقول: “على العكس تماماً، المقصود هو أن تلك الاتفاقات الخاصة بالسلام لا تعنينا، ونحن يعنينا الاتفاق الذي على شاكلة الذي أنجز مع هوكشتاين. وهذا يعني أننا نتمسك بهذا الاتفاق، وهو لا علاقة له بالسلام أو التطبيع. والوسيط الأميركي كان واضحاً جداً بهذا الخصوص”.
بعد إعلان التوصل للاتفاق، برز خبران، الأول أن شركة قطر للبترول سيكون لها حصة في عمليات التنقيب، والثاني هو زيارة بو صعب إلى دولة الإمارات. وهنا يقول: “دور قطر معروف في هذا المجال. وهي أبدت الإستعداد للعب هذا الدور. أما زيارتي لدولة الإمارات فهي للتنسيق، ووضعهم في الأجواء وتحفيزهم على الدخول بالاستثمار في لبنان. وأرى أنه بعد الاتفاق قد يكون هناك حماسة لذلك. وخصوصاً الاستثمار في البلوكات الأخرى في البحر الأبيض المتوسط”.
سوريا وقبرص
أما عن موعد بدء العمل يقول: “يفترض في الأشهر القليلة المقبلة. فشركة توتال ستعمل على سحب إحدى بواخر الحفر والاستكشاف من الموزمبيق من أفريقيا، وترسلها إلى لبنان لبدء العمل”. أما عن مرحلة ما بعد الاستخراج وكيفية تصدير الغاز، فيقول بو صعب: هناك خياران. الأول، أن يتم إنشاء محطة لتسييل الغاز وتصديره عبر البحر. فيما الخيار الثاني هو التشبيك مع أنبوب يمر عبر سوريا وتركيا. ولكن لا أمتلك التفاصيل التقنية. وهذه مسؤولية وزارة الطاقة، وأنا لست مطلعاً على التفاصيل”.
سيستمر الرجل في متابعة ملفين أساسيين، الأول هو ترسيم الحدود مع سوريا والثاني مع قبرص. فحول الزيارة إلى سوريا، يقول إن ما حصل هو سوء تفاهم وليس سوء تقدير، خصوصاً أنني كنت قد تواصلت مع السفير السوري في بيروت، ونسقت معه قبل أن نرسل كتاباً رسمياً من وزارة الخارجية. ولذلك تفاجأنا بالموقف السوري. وقد يكون مرتبطاً إما بعدم جهوزية أو ربما بعتب بين الأشقاء حول عدم التواصل الرسمي طيلة ست سنوات. ولكن هناك جهوزية لحلّ هذا الأمر قريباً.
أما مع قبرص، فيقول بو صعب: “التعاون سهل جداً. وهناك إمكانية للوصول سريعاً إلى الاتفاق. وقد اتفقنا معهم على فصل الترسيم في الجنوب عن الترسيم في الشمال. فالترسيم في الجنوب سيكون سريعاً خصوصاً أن هناك نقاط بسيطة عالقة. أما في الشمال، فستكون المشكلة أكبر من ذلك، وهي تتعلق بأن هناك ثلاث دول يجب أن يتوفر التوافق بينها، وهي سوريا، قبرص ولبنان، وهنا قد نعود لمواجهة المشكلة ذاتها التي واجهناها مع اسرائيل، خصوصاً أن في الشمال مثلثاً يحتاج إلى ترسيم وتحديد تشترك به الدول الثلاث”.