بالمعنى السياسي، لم تحمل إطلالة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية أي جديد يتعلق بملف الرئاسة، والمعضلة الكبيرة التي تواجهه والتي تضع لبنان في فراغ اقترب من أن يتحول الى كابوس مُريع، فهو بالشق السياسي كرر كل ما قاله سابقاً، سواء بالنسبة الى زيارته الفرنسية أو علاقته بالمملكة العربية السعودية، ولعلّ الامر الوحيد الذي يُعتبر بمثابة مبادرة من فرنجية تجاه الآخرين، هو إعلانه استعداده للجلوس والتحاور بشكل مباشر مع كل خصومه، لا سيما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
بعد هذه الدعوة المباشرة والواضحة والصريحة للتحاور، يمكن ملاحظة أن أهم ما يراهن عليه فرنجية، إلى جانب الحصول على موقف إيجابي من جانب السعودي، هو تبدل موقف الأفرقاء المسيحيين المعارضين له، أو على الأقل أحد القوتين الأساسيتين أي «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، وهو ما يدفعه إلى تكرار الدعوة إلى الحوار معهم، بالتزامن مع تحذيرهم من مخاطر عدم الإلتحاق بالتسوية.
في هذا الإطار، لا يبدو أن «التيار الوطني الحر» في وارد التراجع عن موقفه الحالي، بالرغم من التداعيات التي كان قد تركها على العلاقة مع حزب الله، خصوصاً أن قاعدة التيار الشعبية لا يمكن أن تتقبل أي تراجع من هذا النوع من قيادتها، في حين أن لدى «القوات» تأكيدات بأن ليس هناك ما يستدعي أي تبدل في موقفه، لا بل هو يشدد على أن السعوديين ليسوا في وارد التراجع أيضاً، كذلك من الضروري الإشارة إلى أن حزب «القوات» كان قد ذهب، في العام 2016 إلى التفاهم مع «الوطني الحر»، عندما وجد أن فرص فرنجية تتقدم، وبالتالي إمكانية موافقته على تبني ترشيح رئيس «تيار المردة» شبه معدومة، والعديد من المسؤولين في الحزب يؤكدون أنه لن يتراجع، حتى ولو بدلت الرياض موقفها من فرنجية.
هنا يُراهن جعجع بكل ما يملك على طاولة المفاوضات، فبعد الذهاب بعيداً في الهجوم على فرنسا، سيجد جعجع نفسه وحيداً في حال قررت السعودية المضي بالتسوية التي تُوصل فرنجية الى بعبدا، الا بحال كان يملك معلومات سعودية مؤكدة عن رفضها لترشيح فرنجية، وهو ما لا يوجد أي دليل حوله حتى اللحظة.
بالمقابل، بعد الدعوة الى الحوار أرسل «التيار الوطني الحر» إشارات سلبية، فهو من جهة ترك كل خطاب فرنجية وصوّب على «اتهام باسيل بصفقة المرفأ مع فرنسا»، موجهاً هجوماً لاذعاً لفرنجية من خلال القول: «ما الّذي يؤمَل من مرشّح رئاسي يرمي بالحرام خصومه السّياسيّين، سوى تعزيزه سياسة الإفلات من العقاب»، كما قال النائب غسان عطالله: «أننا مع أي لقاء أو حوار نصل من خلاله إلى نتيجة أفضل، لكن ليس بالضرورة أن نغيّر موقفنا الواضح، والذي من الصعب أنّ يتغير».
لم تصل الأجوبة السعودية الى الفرنسيين بعد، ولو أن بعض المعلومات تُشير الى أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري يحمل بعض الاجوبة من المملكة الى بيروت، علماً أن السعوديين يفترض أن يبلغوا الفرنسيين بالجواب قبل مناقشته في لبنان، من هنا كان لافتاً حديث فرنجية عن عدم استعجاله، وحديث رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن «انتظار الأجوبة السعودية»، من هنا يمكن القول أن التشاؤم الذي تحدث عنه بري في مكانه، فلا الداخل مستعد للتحاور، ولا الخارج مستعجل على تقديم الإجابات. فهل يتغير هذا الأمر مع زيارة وزير الخارجية الإيراني، وعودة السفير السعودي الى بيروت، التي كانت متزامنة مع زيارة عبد اللهيان؟